تحولت أنظار العالم في الساعات القليلة الماضية، شطر المملكة العربية السعودية، بعد الإعلان رسميا عن وفاة الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي، في مقر قنصلية الرياضبإسطنبول. بدأت القصة في الساعة ال12:52 دقيقة بعد منتصف ليل الجمعة بتوقيت الرياض، بثت وكالة الأنباء الرسمية السعودية خبرا يقول إن «التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة في موضوع اختفاء المواطن جمال بن أحمد خاشقجي أظهرت أن المناقشات التي تمت بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه أثناء تواجده في قنصلية المملكة في إسطنبول أدت إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي مع خاشقجي مما أدى إلى وفاته». وأضاف خبر وكالة الأنباء السعودية أن «النيابة العامة السعودية أكدت أن تحقيقاتها في هذه القضية مستمرة مع»موقوفين«على ذمة القضية والبالغ عددهم حتى الآن 18 شخصاً جميعهم من الجنسية السعودية، تمهيداً للوصول إلى كافة الحقائق وإعلانها، ومحاسبة جميع المتورطين في هذه القضية وتقديمهم للعدالة». لم تمر دقائق حتى بثت وكالة الأنباء السعودية الرسمية خبرا آخر في الساعة الواحدة ودقيقتين صباحا، يقول إن التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة أظهرت قيام المشتبه به بالتوجه إلى إسطنبول لمقابلة خاشقجي وذلك لظهور مؤشرات تدل على إمكانية عودته للبلاد». وتابعت «واس»، أن نتائج التحقيقات الأولية كشفت أن المناقشات التي تمت مع خاشقجي أثناء تواجده في قنصلية المملكة في إسطنبول من قبل المشتبه بهم لم تسر بالشكل المطلوب وتطورت بشكل سلبي أدى إلى حدوث «شجار واشتباك بالأيدي» بين بعضهم وبين خاشقجي، وتفاقم الأمر مما أدى إلى وفاته. ومحاولتهم التكتم على ما حدث والتغطية على ذلك. ونقلت الوكالة السعودية «التزام السلطات في المملكة بإبراز الحقائق للرأي العام، ومحاسبة جميع المتورطين وتقديمهم للعدالة بإحالتهم إلى المحاكم المختصة بالمملكة العربية السعودية. بعد خمس دقائق وتحديدا في الساعة الواحدة وسبع دقائق، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية السعودية أن الملك سلمان بن عبدالعزيز «وجه بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق»، فيما ظهر وكأنه تأكيد على استمرار وجود ولي العهد في الصورة رغم الشبهات والاتهامات التي دارت حوله في هذه القضية، وتأكيد تمسك الملك سلمان به. وقالت الوكالة إنه بناء على ما رفعه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إلى الملك سلمان، عن «الحاجة الماسة والملحة لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق وتقييم الإجراءات والأساليب والصلاحيات المنظمة لعملها، والتسلسل الإداري والهرمي بما يكفل حسن سير العمل وتحديد المسؤوليات، وأن المصلحة العامة تقتضي ضرورة تشكيل لجنة للقيام بذلك». مرت 6 دقائق أخرى ثم أعلنت «واس» عن «أمر ملكي بإعفاء أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودي من منصبه». وتبع ذلك الإعلان عن إنهاء خدمة الضباط: مساعد رئيس الاستخبارات العامة لشؤون الاستخبارات اللواء الطيار محمد بن صالح الرميح، ومساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية اللواء عبدالله بن خليفة الشايع، ومدير الإدارة العامة للأمن والحماية برئاسة الاستخبارات العامة اللواء رشاد بن حامد المحمادي. في الواحدة و23 دقيقة صباحا صدر أمر ملكي آخر بإعفاء سعود بن عبدالله القحطاني المستشار بالديوان الملكي من منصبه، وهو الرجل الذي أثار الكثير من الجدل قبل ذلك، بتغريداته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وكان المسؤول عن إعداد «قائمة سوداء» بالمعارضين السعوديين المقيمين بالخارج، ومنهم جمال خاشقجي. في الساعة الواحد و34 دقيقة بتوقيت الرياض، نقلت وكالة الأنباء الرسمية السعودية عن مصدر «مسؤول» بوزارة الخارجية أن «التوجيهات والقرارات التي أمر بها الملك على أثر الحدث المؤسف والأليم الذي أودى بحياة خاشقجي، والتي شملت توجيه النائب العام بالقيام بتحقيق لكشف ملابسات اختفاء خاشقجي، وما تبع ذلك من التحفظ على المشتبه بهم لاستكمال التحقيقات، وتشكيل لجنة لمراجعة الإجراءات المتبعة في هذا الشأن، وما تضمنته هذه الخطوات من إعفاءات لعدد من المسؤولين في الجهاز المعني، تأتي استمرارا لنهج الدولة في ترسيخ أسس العدل، ومحاسبة أي مقصر كائنا من كان، والتعامل مع أي تقصير أو خطأ خاصة إذا كان يمس ابنا من أبناء الوطن بشكل شامل وحازم، مهما كانت الظروف وبغض النظر عن أي اعتبارات». وجاء في الخبر أيضا أن «هذه الإجراءات تعكس حرص القيادة على أمن وسلامة جميع أبناء هذا الوطن، كما تعكس عزمها على أن لا تقف هذه الإجراءات عند محاسبة المقصرين والمسؤولين المباشرين، لتشمل الإجراءات التصحيحية الكفيلة بمنع حصول مثل هذا الخطأ الجسيم مستقبلا». وأضاف المصدر أن «حكومة المملكة تثمن التعاون المميز الذي أبدته حكومة تركيا الشقيقة بقيادة الرئيس رجب طيب أرودغان التي ساهمت جهودها وتعاونها بشكل هام في مسار التحقيقات بشأن مقتل جمال خاشقجي». وعند ذلك الحد توقفت وكالة الأنباء الرسمية السعودية عن بث المزيد من الأخبار الرسمية حول الحادث، وبذلك تكون روايتها الرسمية المؤكدة والموثقة قد صدرت خلال 42 دقيقة على وجه التحديد. وقبل صدور التصريحات السعودية قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه قد يفكر في فرض عقوبات على الرياض على الرغم من عدم استعداده أيضا على ما يبدو إلى النأي بنفسه بشكل كبير عن السعودية مشيرا إلى دور الرياض في مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وصفقات السلاح المحتملة المربحة. فيما قال وزير العدل السعودي رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، مساء السبت إن «إقامة العدل هو نهج المملكة العربية السعودية الدائم الذي لن تحيد عنه، وهو من أهم مرتكزاتها عبر تاريخها المجيد منذ تأسيسها وحتى يومنا الحاضر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين- حفظهما الله». وأكد في بيان، نشرته وكالة «واس»، أن المؤسسة العدلية في المملكة تأسست على مبادئ الشريعة الإسلامية، وقيم العدل التي قامت عليها هذه البلاد المباركة واضعةً نُصب عينيها تطبيق أحكام الشرع الحنيف الذي يأمر بإقامة العدل وإحقاق الحق وإرساء قيم العدالة، وما زال خادم الحرمين الشريفين وولي عهده هما الداعمان للمؤسسة العدلية للوقوف في وجه كل من أراد الإساءة للوطن أو الإضرار بحقوق المواطنين كائناً من كان. وشدد على أن القضاء في المملكة يتمتع بالاستقلالية الكاملة للتعامل مع القضية التي وقعت على أرض سيادتها للمملكة، مشيرا إلى أن القضية ستأخذ مجراها النظامي المتبع في المملكة وستصل للقضاء بعد اكتمال المتطلبات. وأوضح الدكتور الصمعاني، أن التوجيهات والقرارات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين على إثر الحدث المؤسف والأليم الذي أودى بحياة المواطن جمال خاشقجي، تأتي استمراراً لنهج الدولة في ترسيخ أسس العدل، وفق شريعتنا السمحة، واهتمام القيادة الرشيدة بمواطنيها كافة والحرص على سلامتهم ورعايتهم في أي مكان، وقال: «نحن كمواطنين سعوديين نفخر ونفاخر بولاة أمرنا الذين لم يدخروا جهداً أبداً في العناية بالوطن ومواطني هذه الدولة المباركة». وبين وزير العدل أن المملكة ثابتة بعدلها ولن يزعزع ثباتها أي سلوكيات عدائية يمارسها الآخرون بوسائل إعلامية متهورة فاقدة للمهنية والمصداقية، وأن محاسبة أي مقصر كائناً من كان ليست جملة تقال بل هي حقيقة مفعلة وواقع مطبق تتعامل بها المملكة والشواهد كثيرة في ذلك.