هناك أب له خمسة أبناء وقد وافق هؤلاء الأبناء على ترك الأب بالمنزل ليدير الشؤون المالية للعائلة. فى نهاية كل شهر فإن الأبناء يعطون الأب جزءاً من رواتبهم لسد احتياجات المنزل. (الضرائب) أحد الأبناء دخله أكثر من باقى إخوته لذا فإنه يتبقى معه مال فائض فى نهاية الشهر يقوم بادخاره بالبنوك. (المودعين) ابن آخر دخله أقل من إخوته بكثير ولذا فقد اتفقت الأسرة أن تساعده فى مأكله وملبسه لتسمح له بتكملة الشهر. (الدعم) ابن ثالث يكسب جيداً ولكنه يحب الإنفاق على السيارات الفارهة التى تستهلك الكثير من الوقود مما جعل الأب يقرر لهذا الابن مخصصات إضافية تساعده فى دفع فاتورة وقود سيارته الفارهة. (دعم البنزين 92 و95). الابن الرابع قرر التوقف عن العمل كلية لأنه يطلب راتب أعلى من جهة عمله. فبدلاً من أن يستمر فى العمل ويسعى إلى عرض مطالبه فى الوقت نفسه، فإنه استمر فى الاعتصام الذى امتد إلى باقى زملائه فى مكان العمل. وهو يواجه الآن مخاطر إفلاس رب عمله وبالتالى عدم قدرته على دفع راتبه على الإطلاق. (الإضرابات الفئوية) الأب وصل إلى نهاية الشهر ووجد أنه لا يستطيع الوفاء بالتزاماته. (عجز الموازنة). ولذا فقد قرر الاقتراض. (سندات وأذون الخزانة). ولكن هذا دين ستكون الأسرة كلها مسؤولة عنه، ولهذا فالأسرة تحتاج لكسب المزيد من المال لتدفع على الأقل فوائد هذا الدين حتى مع علمهم بإمكانية الأب فى الاستمرار فى الاقتراض. الابن الخامس قرر أن يبدأ مشروعاً ليزيد من دخل الأسرة وذهب إلى البنك ليقترض احتياجات المشروع ولكنه لم يستطع حيث تعلل البنك أن الأب قد اقترض الأموال المتاحة للأسرة. (هذا مايحدث عندما تندفع الحكومات فى الاقتراض من البنوك إلى الحد الذى يقلل من مستويات السيولة لديها ويقلل من قدرتها على تمويل الاستثمار). وهذا هو ما نحن فيه الآن. فالحكومة قررت زيادة دعم المواد الغذائية ورفعت من الحد الأدنى للأجور بالقطاعين العام والخاص. هذه خطوات كان لابد منها ولكن فى الوقت نفسه فإن الحكومة سمحت بالإضرابات الفئوية دون رادع. وهذا يسبب انهيار الإنتاج والإيرادات وبالتالى ضرائب أقل تدفع للحكومة نتيجة انخفاض الأرباح. وعندما تكسب المنشآت أقل وترتفع نفقاتها فإنه يصبح من الصعب عليها مواجهة التزاماتها لدى البنوك. إلى أى مدى تستطيع الدولة.. أى دولة أن تحتمل هذا؟ ما تحتاجه مصر الآن هو الاستثمار فى المشروعات التى تحتاج إلى عمالة مكثفة والتى تخلق فرص عمل لأقصى قدر ممكن، فبدلا من الجلوس مع قوة العمل غير المنتجة، على الحكومة أن تجلس مع المستثمرين أنفسهم لحل مشاكلهم وتشجيعهم على ضخ المزيد من الأموال للقيام بتوسعات لمشروعاتهم القائمة وهذا سيكون أفضل دليل على جدية البلاد فى العودة للعمل وسيعطى مصداقية لسياسة الحكومة وقولها إنها ترحب بمستثمرين جدد. كل من الشعب والحكومة عليه مسؤولية إعاده الناس للعمل فورا فهذه المطالب الفئوية ضيقة الأفق تضر بالبلد ككل ولا نتطرق هنا إلى مشروعية المطالب من عدمها ولكن فى توقيتها واستمرارها. فعلى الحكومة أن تشرح للشعب أنها أموالهم التى يتم إنفاقها، وأن توضح كذلك أن الضرائب المدفوعة بواسطة الفئة الملتزمة والمستمرة فى عملها أنها تدفع مباشرة لهؤلاء أصحاب المطالب غير النهائية بدلا من زيادة الإنفاق مثلا على رفع مستوى التعليم أو الصحة، فموارد أى دولة محدودة ولا يمكن تلبية كل المطالب فى نفس الوقت. واذا كانت الأولوية ستعطى لدعم المواد الغذائية وللحد الأدنى للأجور فهذه المصروفات الزائدة يجب توفيرها أما من زيادة الإيرادات أو من تقليل النفقات فلننظر هنا لفاتورة الدعم بجدية، خاصة دعم الطاقة ودعم الصادرات وتقليل الفاقد منها. وأخيراً زيادة سعر الفائدة فأنا كتبت عن هذا من قبل ولكن هناك زاوية أخرى، فانخفاض سعر الصرف وما يتبعه من تضخم ودولرة واستخدام الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى للدفاع عن سعر الصرف، ليست هى الأضرار الوحيدة. عندما تبقى الحكومة على سعر الفائدة أقل من معدل التضخم، فهذا يعنى ببساطة أنها تدعم ما تقوم هى باقتراضه من أموال المودعين. رفع سعر الفائدة سيزيد من فاتورة خدمة الدين الحكومى ولكنه ربما يجبر الحكومة على التوقف عن القول بأنها لا تنوى المساس بالدعم، مع العلم بأن كثيراً منه لا يأتى إلى مستحقيه وإدارة شؤونها المالية بعناية أكثر. قبل أن نطالب الحكومة بالمزيد من الإنفاق وزيادة الرواتب والدعم وغيرها من الطلبات والخدمات فعلينا أن نحدد الأولويات، وأن نتذكر أنها فى النهاية أموالنا فلننفقها بحكمة.