يوماً ما كانت بلدتى (ساقلته) قريةً تابعةً لمركز (أخميم)، لذا أشعر بفرح حقيقى لكل اكتشاف أثرى تجود به الأرض الأخميمية، وأُمنّى نفسى بأن محافظتنا سوهاج ستحتل بفضل تلك الاكتشافات مكانةً مرموقةً على الخريطة السياحية، وأن أبواب الرزق ستُفتح أمام أبناء المحافظة، وحينئذ قد يُنزع عنها لقبُ عاصمة الفقر فى مصر! ولأن قضايا الصعيد تتوه فى زحمة انشغال القاهرة بالبرادعى وأحمد عز ونواب الرصاص، واعتصامات العمال، وتطورات قضية سوزان تميم، وخناقات أحمد شوبير ومرتضى منصور، وغيرها.. لذا لم تأخذ أحداث أخميم الأخيرة الاهتمام اللازم رغم أهميتها وخطورتها ودلالتها الكبيرة!..الموضوع باختصار يعود إلى بداية الثمانينيات حينما اُكتشف تمثالُ الملكة (ميريت أمون) أثناء حفر مبنى حكومى، وقبل ذلك وبعده كان الخبراء يشيرون إلى أن المدينة راقدةٌ على كنوز أثرية ضخمة، قد تجعلها فى موقع المنافسة مع الأقصر!.. حدد هؤلاء منطقة الجبَّانة القديمة كموقع لأحد أكبر معابد رمسيس الثانى، ما جعل المسؤولين يقررون بناء مدافن بديلة فى حى الكوثر تمهيدا لإغلاق الجبَّانة!.. مرت السنوات، وعندما حان موعد تنفيذ القرار فى بداية الشهر الجارى انفجر الموقف فى أخميم، وعمت المظاهرات شوارعها، احتجاجا على ذلك.. وسقط الصبى محمود عبدالشافى قتيلا وسط تضارب الروايات حول سبب مصرعه! تحدثتُ مع عينة عشوائية من أهالى أخميم وخرجت بنتيجة تقول إن الحكومة من البداية لم تُحسن التعاطى مع تلك القضية الحساسة!.. فهل يعقل أن يُعلن رئيس المدينة عن إغلاق الجبَّانة بطريقة المماليك التهديدية المتعجرفة حين كانوا يجوبون الأزقة ليخبروا الناس بأوامر سيدنا الوالى؟!.. وهل حقق محافظ سوهاج اللواء محسن النعمانى، الرجل المعروف بنزاهته وحصافته، بشأن ما يتردد عن تجاوزات فى توزيع المقابر الجديدة، حيث يتحدث الأهالى عن حصول عائلات معروفة على نصيب الأسد، بينما حُرمت عائلاتٌ صغيرة من حقها.. وهل يُعلن عددَ المقابر التى حصلت عليها كل عائلة؟! وإذا كان اللواء النعمانى يعتقد حسب تصريحاته الصحفية أن أشخاصا معينين يقفون وراء المظاهرات وأعمال التخريب، حسب تعبيره، فما الذى يمنعه من اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم لكشف دوافعهم الحقيقية؟!.. ثمة أسئلة أخرى تنتظر إجابة المحافظ يتعلق بعضها بتأكيدات الأهالى إزاء خلو المقابر الجديدة من الأبواب والأسوار والحراسة، وما قد يترتب على ذلك من إمكانية تعرض جثث الموتى للنهب والسرقة، فضلا عن شكواهم من تكلفة الدفن الباهظة ومصاريف نقل المشيعين!.. على أن السؤال الأهم: لماذا لم يأخذ المسؤولون بعين الاعتبار أزمة الثقة التى تسود العلاقة الراهنة بين الحكومة والأهالى فى عموم مصر وليس فى أخميم وحدها؟!.. هل فكر أولو الأمر فى ضرورة التعامل بكثير من الحكمة مع قرار نقل المدافن لكى لا يرى فيه المواطنُ تعسفا حكوميا؟! لماذا لم يدع اللواء النعمانى لمؤتمرٍ يشارك فيه أبناء سوهاج من مثقفين وكتَّاب وصحفيين ليسهموا فى توضيح القصد من قرار إغلاق الجبَّانة؟! فى المقابل أتفهم جيدا ارتباط أهل أخميم بمكان يضم رفات ذويهم منذ سنين طويلة، لكنى أتحفظ على الوسائل التى تصدوا بها لمنع تنفيذ القرار.. لذا أخشى أن يتفاقم الوضع إذا استخدمت الحكومة عضلاتها بدلا من عقلها عند نقل رُفات الموتى إلى المدافن الجديدة! [email protected]