المشهد المتكرر في ميدان التحرير - وهو خالياً من الثوار- لا يعطى سوا احد الانطباعين، أولهما أن الثورة قد نجحت واتت بثمارها وهو ما يعنى أن الشعب نجح في إسقاط النظام بالكامل وقضى على الفساد وأننا نعيش ألان في مصر جديدة طالما حلمنا بها جميعا ، في حين أن رموز النظام الفاسد مازالت حرة بلا محاسبة وذيولهم تعمل وتخطط لتخرب ما نحلم به، أما الانطباع الثاني فهو أن الثورة قد أجهضت وهو ما يضعنا في دائرة اليقين بان هناك ثورة مضادة عملت بشكل منظم وممنهج على تحقيق ذلك. ولان الواقع الذي نعيشه يجعل الانطباع الأول غير صحيح فلا سبيل لدينا إلا تصديق الانطباع الثاني رغم إنكار العديد من أصحاب "الوجوه السمحة" لهذه الحقيقة محاولين أقناعنا بان فكرة الثورة المضادة ما هي ألا وهم نحاول اختلاقه لتخويف أنفسنا. وكيف لنا أن ننكر وجودها ونحن نعيش يوما تلو الأخر محاولات مستمرة للوقيعة بين الشعب والجيش من خلال العمل على نشر التشكيك في نزاهة الجيش وانه غير قادر على حماية مكتسبات الثورة بالإضافة إلى المحاولات المتكررة لدفع الجيش إلى الاحتكاك بالثوار والاعتداء عليهم. بالإضافة إلى تلك المحاولات "المفضوحة" والتي تسعى للوقيعة بين الشعب والشعب، حيث نشهد حوادث مفتعلة لخلق فتنة طائفية خاصة بعد أحداث كنيسة أطفيح واعتصام الأقباط ، والاستمرار فى استخدام نفس السلاح السابق لدفع المزيد من الشائعات حول التيار السلفي لتخويف الشعب من الفكر الديني. وسيستمر التخطيط من قبل بقايا النظام البائد الذين ماتوا وانتهوا سياسيا فى المحاولات ما داموا ينعمون بالحرية وسيعملون على التحكم فى وسائل الإنتاج الذهني مثل الصحف والتلفزيون وهو ما يشكل خطر التحكم في الراى العام ودفعه فى الاتجاه المضاد لاتجاه الثورة، ولكي نضمن تتحقق الديمقراطية السياسية التي خرجنا لميدان التحرير مطالبين بها يجب إلغاء سيطرة الرأسماليين على الثروة لان سيطرتهم تجعل خطر عودة النظام القديم ماثلا مهما صنعنا من ثورات فمن المتعارف عليه من واقع تجارب الثورات السابقة على مر العصور أن الثورات لا تتخلص من أصفاد الماضي في ضربة واحدة بل يظل أتباع النظام القديم أحياء. وعلى حد قول ماركس: "تراث الأجيال الميتة يظل مسلّطا على الأحياء". ففى روسيا عندما ثار الشعب على بوريس يلتسين ،طلب منهم ان يكمل فترته الرئاسية لمنع الفوضى وكانت النتيجة انه قام بالقضاء نهائيا على المعارضة وعمل على تجميل صورة مدير المخابرات "فلاديمير بوتن" الذى فاز باكتساح فى الانتخابات الرئاسية وأعيد انتخابه مرة تانية واستمر بوتن فى اتباع فكر النظام السابق له لثلاث فترات رئاسية وفي نوفمبر 1918 تخلصت الثورة في ألمانيا من القيصر وأنهت الحرب العالمية الأولى. ولكن ظل كبار أصحاب الإعمال، في مواقعهم فأصبحت ازدواجية السلطة هي المهيمنة في ألمانيا فى ذلك الوقت. تلك الأحداث التاريخية تؤكد الكلمات النبوئية ل"سان جوست"، أحد قادة الثورة الفرنسية 1789 الذي قال: "أولئك الذين يصنعون نصف ثورة يحفرون قبرهم بأيديهم" بات استمرار اثر الثورة المضادة أكثر مما ينبغى سيزيد من خطورة تصاعد الاضطرابات والتصادمات والتي ستنتج الكثير من الأزمات القادرة على ان تعصف بمكاسب الثورة وتقودنا إلى طريق مسدود. لذا فأن المهمة الرئيسية للثوار الآن هي الدفاع عن الثورة ضد أي انتهاكات او محاولات لإجهاضها. وهذا يتطلب ان لانتحر كفى اتجاه الفرقة، ولكن التقارب في الصفوف لتجنى الثورة ثمارها وحتى لا يكتب التاريخ مستقبلا ان الثورة المصرية أحدثت اضطرابات كبرى وخلعت النظام الفاسد، ولكنها فشلت في تحقيق أي خطوة للأمام.