أثبتت نتائج الاستفتاء الأخير أننا كمصريين لا يمثلنا أحد. كل التيارات والجماعات والأحزاب تخاطب أعضاءها و لم تقنع سواهم، ربما لأنها لم تفهم أحداً مختلفا عنها. إن الفارق الواسع بين مؤيدي التعديلات ومعارضيها يأكد أن جموع المصريين لم تثق في أي من هؤلاء. لقد سوق التيار المعروف إعلامياً بالإسلام السياسي لتأييد التعديلات الدستورية، بينما سوق كل من عدا هذا التيار لرفض التعديلات. هل يمكن إيداع أكثر من 14 مليون مصري صوتوا بنعم في حساب التيار الاسلامي؟ هل كل من عدا "الاسلاميين" أقل من 5 ملايين؟ أرهبنا التيار الاسلامي بالدين و أرهبتنا جماعات الرفض بالتيار الإسلامي. فريق باعنا الجنة و الآخر باعنا "دم الشهداء". لا أحد حاول أن يشرح لنا حقيقة الأمر، ربما لأن أحدا لا يعلمها. و ربما يكون هذا بالضبط ما منع 27 مليون مواطن لهم الحق في التصويت من إبداء رأيهم. لم نفهم شيئا لأن كل الأطراف تعاملت منذ اللحظة الأولى مع الانتخابات المقبلة و ليس مع مستقبل الأمة. كيف يمكن أن يختزل قرار أغلبية المصريين في مقولة سخيفة بأن الخوف من النار أو الرغبة قصيرة النظر في الاستقرار هي ما دفعهم الى التصويت بنعم؟؟ كيف يسمح دعاة الحرية- سابقا- لأنفسهم أن يتهموا الموافقين على التعديلات بأنهم إما أغبياء أو جهلاء أو مسحوبون بعقال الدين؟ كيف يقبل المصريون اتهام من رفضوا التعديلات بأنهم طامعون أو فوضويون أو "مش خسرانين حاجه"؟ كيف تسمح بعض جماعات الميدان، و من التحق بركابها من كتاب و شباب و شخصيات عامة و سياسيين- بعد أن انسحبت الشرطة و أصبح الوضع آمنا- أن يمنوا على المصريين بأنهم من حررهم من العبودية؟ لا أحد شرح و حلل و ناقش فأقنع إلا في حدود رغبته في توجيه الناس إلى قرار يريدهم أن يتخذوه. الإخوان المسلمون يمينيون، السلفيون يمينيون متشددون، جماعات الميدان يساريون و ليبراليون، الأحزاب التقليدية مهرجون لا قيمة لهم و لا تأثير، و الأحزاب الجديدة مجرد مشروعات بعضها وهمي، أما جموع الناس فهم خارج التصنيف. لا أحد يمثل الناس و إن كان الكل يتحدث باسمهم. إنني أرى الوضع الراهن كأنه صراع على ميراث، و الكل يدعي الحرص على مصالح الورثة. لا أحد يسأل الناس أو يحاول أن يشرح لهم. الكل سوق فكرته مستخدما كل وسائله. الكل أخطأ و الكل ابتذل. و إذا كان منا من صوت ب"نعم" كي لا يدخل النار أو لرغبة "ساذجة" في وصول أسرع للاستقرار، فإن منا من صوت ب"لا" كي ينضم إلى جماعة الثوار الأحرار الفاهمين العارفين المثقفين الشرفاء. فريق اتهمنا بالكفر أو باشاعة الفوضى، و الآخر اتهمنا بالجهل أو استعذاب العبودية. فريق أرهبنا و فريق تعالى علينا. إنني أدعو و أرجو في وحدة الوطنية تعتمد الحوار و تحكم العقل و تحتكم إلى مصلحة البلاد. أدعو و أرجو أن يأجل الصراع السياسي على المقاعد البرلمانية و الرئاسية. نحن الورثة الشرعيون و نحن الباقون. نحن المصريون و هذه بلادنا. إن كنا جهلاء ستعلمنا التجربه. إن كنا كفارا فحسابنا عند ربنا.