رغم غياب السينما العربية شبة الكامل عن مسابقات مهرجان «كان» السينمائي، إلا أن سوريا وما يحدث فيها من مآسي لم يكن غائباً عن هذا الحدث السينمائي الكبير الصاخب دوماً، حيث عرض مساء السبت، ضمن العروض الخاصة للمهرجان، الفيلم الوثائقي السوري «ماء الفضة»، والذي شهد اهتماماً كبيراً من جانب الإعلاميين والسينمائيين، وهو عمل للمخرج أسامة محمد الذي يعيش الآن في منفاه الإجباري بباريس منذ 2011، خوفاً من أن يعتقله النظام السوري فور عودته باعتباره علي قوائم الترقب مثل كثير من السوريين الذين انتقدوا وحشية النظام، وخاصة أنه تلقى أيضا تهديدات بالقتل. وشاركته في الفيلم المخرجه السورية الكردية سيماف وئام بدرخان التي صورت نسبة كبيرة من مشاهد الفيلم في مدينة حمص، والتي ظلت محاصرة فيها لمدة طويلة حتى تمكنت أخيراً من الخروج، مستفيدة من الاتفاق الذي رعته الأممالمتحدة بين النظام والمعارضة والذي نص على خروج جميع المحاصرين الذين يبلغ تعدادهم نحو 2250 شخصا من أحياء حمص القديمة مقابل الإفراج عما يقارب من سبعين أسيراً إيرانيا ولبنانياً لدى الجبهة الاسلامية، حتي أن منتج الفيلم طلب من مهرجان «كان» عدم الكشف عن هوية المخرجة خلال الفترة الماضية إلا بعد ان وصلت إلي فرنسا، حتي لا تتعرض لأي نوع من الإيذاءات من جانب رجال النظام. تجربة «ماء الفضة» ليست فيلماً، إنما مجموعة من الافلام التي شارك في تقديمها عددا كبيرا من السوريين الذين لم يعرفوا شيئا عن تكنيك وحرفة السينما، وإنما رفعوا هواتفهم المحمولة وكاميراتهم الضعيفة وصوروا ما يشاهدونه بكل واقعية وبدون ماكياج او إعدادات مسبقة. فالمخرج أسامة محمد، الذي قدم من خلال هذا الفيلم وثيقة حية عما يحدث في سوريا منذ انطلاقة الشرارة الاولي في درعا عام 2011، لم يكن يستعرض فقط مشاهد مصورة ومتناثرة ولكن قدمها في قالب شاعري عن سوريا وما يحدث فيها الآن، ولم يخلو الحوار الموجود بين كل لقطة ولقطة عن الغزل رغم قسوة ما يقدمه فهو لا يقدم مجرد مشاهد متناثرة إنما فيلماً عن قصة بلد ينهار ونظام يقتل أبناءه ويعذبهم بقسوة. يركز الفيلم، الذي اقترب من المائة دقيقة تقريباً، ويضم عدداً كبيراً من الفيديوهات المتناثرة علي «يوتيوب»، علي اللا إنسانية التي يمارسها النظام السوري وجيشه الآن ضد الشعب، ويعتبر الفيلم وفق الصحافة الفرنسية شهادة حية على ما تسميه همجية النظام السوري ضد السوريين واستهدافه الأطفال، وكذلك على المذابح اليومية التي يمارسها، مستبيحا بذلك كل الحرمات من خلال نهج سياسة الإبادة الجماعية المرتكزة على الطائفية المقيتة. وقد أكد المخرج أسامة محمد أن الحرب السورية تسببت حتى الآن في مقتل ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف شخص في ثلاثة أعوام، ما يجعل منها أكبر مأساة إنسانية في التايخ الحديث. ويضيف: «بعد مشاركتي في ندوة حول «السينما في ظل الديكتاتورية» على هامش مهرجان «كان» السينمائي حيث قدمت فيها نص «صورة ضد صورة» عن جريمة النظام الأمني السوري، وقتل المتظاهرين، وجريمة الإعلام الرسمي في إنكار الجريمة، تلقيت من سوريا تهديدات عديدة مؤكدة تتراوح بين تهمة الخيانة وهدر الدم».