قرى سوهاج الغارقة فى السيول.. حكايات من دفتر الوجع

الفقر هو ذنبهم الوحيد الذى يجعل من حياتهم جحيما كلما سقطت الأمطار على الجبال، والتى تتحول بعد ذلك إلى سيول تجرى على بيوتهم المبنية بالطوب اللبن، بمنطقتى نزلة عمارة وحاجر مشطا بمركز طهطا محافظة سوهاج، فتلك البيوت سرعان ما تتعرض للانهيار نتيجة اندفاع المياه من الجبل لتستقر داخلها وتأخذ معها الأثاث، وكل أشكال استقرارهم المعيشى.
كل عام كانت مياه السيول تهدد تلك البيوت، لكن هذا العام كان المشهد مختلفا، حيث أدت مياه السيول إلى هدم عشرات البيوت فوق رؤوس أصحابها، فى مأساة رصدتها «المصرى اليوم» خلال جولتها بالقرى التى تأثرت بمياه الأمطار والسيول بمحافظة سوهاج.
سادت حالة من الغضب بين سكان قريتى نزلة عمارة وحاجر مشطا بمركز طهطا بسوهاج، فهم اعتبروا ما حدث لهم «دمارا شاملا» بعد أن سقطت وتحطمت بيوتهم، بسبب موجة الأمطار والسيول التى حدثت يوم الأحد الماضى.
وانتقد عشرات السكان الذين ورثوا بيوتهم عن أجدادهم، موقف محمود عتيق، محافظ سوهاج، ومحمد عبدالمطلب، وزير الرى، من المأساة التى يعيشونها، وقال على عبدالرحيم: المحافظ ووزير الرى جاءا بالفعل إلى نزلة عمارة ورفضا النزول من السيارة خشية اتساخ أحذيتهما، وسخرا قائلين: «المفروض الفلاحين يكونوا مبسوطين بالميه دى.. أهى أراضيهم اتسقت ببلاش».
بعد أن غرقت قرية نزلة عمارة بالمياه، اشترك سكان كل منطقة وجمعوا مبالغ مالية من أجل تأجير سيارات لنزح المياه عن بيوتهم وشوارعهم.
وقال رشاد أحمد: بدأنا يوم الإثنين الماضى إزالة المياه من الشوارع والبيوت على نفقتنا الخاصة، ونظرا لأن عدد سيارات كسح المياه ليس كافيا لإزالة هذا الكم الهائل من المياه، اضطررنا للبحث عن سيارات وعمال ليجمعوا المياه فى برميل ويحملونه فوق السيارة مقابل 350 جنيها.
فى الوقت نفسه، حاول البعض تقبل الوضع والاعتماد على الذات وعدم الاكتفاء بإزالة المياه من بيوتهم، بل إحضار لودر لإزالة حطام بيوتهم أيضا على نفقتهم الخاصة، حيث يدفعون 220 جنيها مقابل ساعة عمل اللودر. وقال فاروق عيسى: «مضطر أعمل كده لأنى عارف إن مفيش حد هيعبرنا ومش هينفع نفضل عايشين فى الشارع».
وانتقد محمد حمودة المحافظ، وادعاءه فى وسائل الإعلام بأنه لم يتضرر فى نزلة عمارة وحاجر مشطا سوى منزلين وأضاف: «الثورة قامت علشان تمنع الكذب والخداع، ولكن هذه الأزمة جعلتنا نكتشف أننا مازلنا نعيش فى نفس التضليل وعدم الإحساس بالمسؤولية». وتابع: «يعنى وسط الدمار والخراب والخسارة اللى إحنا عايشينها دى، ومئات البيوت التى دمرت لكن محدش حتى مقدر ولا حاسس وكمان يكدبوا ويقولوا إن منزلين بس هما اللى وقعوا».
ووقف ناجى راسل وسط أرضه التى أغرقتها مياه السيول متحسرا، وقال: «الأرض ومحصول القمح ضاعوا ولازم أستنى لحد ما يعدى 50 يوم بدون رزق لحد ما أشيل القمح من الأرض».
ولم تختلف كثيرا مأساة رشاد أحمد الذى خسر محصول 16 قيراطا فى أرضه، فضلا عن دمار بيته وخسارته لكل ممتلكاته، وقال رشاد: «عفشى جوا ومش عارف أطلعه، البيت وقع وما تبقى منه مهدد بالسقوط فى أى لحظة».
أما نبيلة ويلسن ( 45 عاما) فهى واحدة من عشرات دمرت بيوتهم المبنية بالطوب الأخضر، والبيت كان مكونا من طابقين، تعيش فيهما مع زوجها وأبنائها ال6.
وقالت نبيلة: «بقينا عايشين فى الشارع وبندخل دورة المياه عند الجيران والأكل بيجيلنا صدقة من بيوتهم، ولم يتبق من منزلى سوى غرفة واحدة كنت أضع فيها العلف للطيور والتى راحت تحت الأنقاض هى الأخرى، بعد أن سقط جزء كبير من منزلى ودمر الأثاث وغرف النوم ودورة المياه، والمطبخ والأجهزة الكهربائية وأصبحنا بنشعل الكانون علشان نطبخ عليه، وتحت الأنقاض راح كمان جهاز بناتى اللى كانوا هيتجوزوا آخر الشهر ده».
وفى قرية حاجر مشطا لم يختلف المشهد كثيرا، وبصوت يملؤه الحسرة قال نشأت يوسف، صاحب ماكينة طحين: «بيتى أصبح حطام والمواشى ماتت وحتى ماكينة الطحين وهى مصدر رزقى الوحيد دمرتها مياه السيول».
وأضاف نشأت: «المحافظ طلع فى التليفزيون يقول الوضع مستقر ولم يتهدم سوى منزلين أو ثلاثة، وأنا أقول له انزل إلى أرض الواقع لتشاهد مئات البيوت التى هدمتها السيول، ودمرت أجهزتها الكهربائية وأثاثها، الناس هنا خايفة تتكلم أحسن يعتقلوها، بس أنا بقول إن مفيش أسوأ من اللى إحنا عايشينه، هيجرالنا إيه أكتر من كده».
«المصرى اليوم» داخل منزل ضحية الأمطار فى سوهاج
نزوح جماعى لمئات الأسر بأسيوط جراء السيول
رغم بعد بيته عن الجبل، وعدم وقوعه فى طريق مخر السيول، فإن مصيبته كانت أكبر من كل الخسائر التى تكبدها المواطنون خلال موجة السيول القاسية التى ضربت البلاد، الأحد الماضى، إذ إن هطول المطر وتجمعه فوق سطح بيته المسقوف بجريد النخل والطين، أدى لانهياره فوق حجرة ابنتيه، ليودى بحياة ابنته، هانم، 15 سنة، ويصيب شقيقتها الكبرى سعاد، 18 سنة.. هكذا حال محمد عبدالرازق، فلاح، من قرية العتامنة، مركز طهطا محافظة سوهاج، وهو أب ل 6 أبناء: ابنتين و4 أولاد.المزيد