فقدت اثنين من أصدقاء العمر: فنان السينما السورى عمر أميرالاى فى ذروة أيام ثورة مصر، وأمس الأول فنان السينما المصرى صلاح مرعى. سوف يسامحنى عمر أميرالاى لعدم رثائى له فور علمى بوفاته، حيث كنت أتابع أحداث الثورة، وأشترك فيها بمقالاتى، وبالذهاب إلى ميدان التحرير، وقد كان آخر ما فعله التوقيع على بيان لتأييد الثورة المصرية، ولا غرابة فى ذلك، فهو نموذج للفنان الثائر المفكر، الذى جمع بين الموهبة الأصيلة، والوعى بالعالم، والإيمان بحرية الإنسان. وسوف يذكر تاريخ السينما دائماً أفلام عمر أميرالاى المصنفة ب«التسجيلية»، كأعمال فنية فريدة من حيث قدرتها على إثارة الخيال وإعمال العقل معاً. وهو مع رفيقيه الصديقين العزيزين الراحل سعد الله ونوس، وقيس الزبيدى - أطال الله عمره. كان الثلاثى وراء «الحياة اليومية فى قرية سورية» عام 1972، الذى كان أول فيلم «تسجيلى» طويل ناطق بالعربية، وأنتجه الصديق عبدالحميد مرعى، عندما كان مديراً لمؤسسة السينما فى دمشق. ويعتبر هذا الفيلم من التحف السينمائية النفيسة، وكل أفلام عمر أميرالاى تستحق دراسات وافية شاملة، خاصة بعد أن أغلق القوس وتوقف إبداعه الجميل. وسوف يسامحنى صلاح مرعى، لأننى لم أذهب إليه وهو يحتضر فى المستشفى، فهو الوحيد، الذى يعلم أننى لم أستطع أن أذهب إلى شادى عبدالسلام أيضاً، وكنت أتابع حالته من خلاله، وقلت له لا أملك القدرة على مشاهدة شادى وقد سقط شعره وتغير شكله من أثر العلاج بالكيماوى: سوف يزيد ضعفى من ألمه، ولتكن الصورة الأخيرة صورة الفنان قبل أن تتغير. لم يمت صلاح وإنما اشتاق إلى أخيه أحمد مرعى وإلى أستاذه شادى عبدالسلام، فذهب إليهما سعيداً، ولا يحزنه الآن سوى ألم أسرته وأصدقائه وزملائه وتلاميذه، الذين سالت دموعهم أنهاراً، لغياب وجوده المادى، وسوف يُذْكر دائماً بأعماله الفنية الفذة، التى لا مثيل لها فى السينما المصرية كمصمم مبدع فى الديكور والأزياء والإضاءة والملصقات وأغلفة الكتب، وفى كل ما خطت يداه وعيناه من تصاميم كانت صدى لروح نبيلة شفافة، وإحساس نادر بإيقاع الزمن وعمق التاريخ. صلاح مرعى اسم سيبقى بعمله حتى «ليلة أن تحصى السنون»، وهو عنوان الفيلم، الذى عرف باسم «المومياء»، وأخرجه شادى عبدالسلام، وسطعت فيه موهبة صلاح مصمماً للديكور، ليرحمه الله ويعنَّا على احتمال فقده. [email protected]