من أسوأ الأمور التى تعانى منها مصر الآن تقسيم العالم بشرقه وغربه على ضوء حالة الاستقطاب الداخلى بين الدولة والإخوان، فنظرنا إلى داعمى الإخوان وكأنهم إخوان، ونظرنا إلى داعمى المسار الحالى وكأنهم الدولة المصرية. ونتيجة لهذا الفهم القاصر اعتبر البعض ما يجرى فى تركيا الآن من مظاهرات واحتجاجات وكأنه بداية ل25 يناير أو 30 يونيو على الطريقة المصرية، وللأسف الشديد تسرع فى أحكامه متصوراً أن أردوجان هو مرسى، وأن حزب العدالة والتنمية هو جماعة الإخوان المسلمين، وأن الاحتجاج على النظام التركى سيوصل لنفس نتائج الاحتجاج على ال«لا نظام» فى عهد مبارك أو فى عهد الجماعة السرية. والمؤكد أن مشاهد المظاهرات فى قلب العاصمة التركية وفى أكثر ميادينها حيوية أثارت خيال بعض النشطاء المصريين، خاصة بعد أن شاهدوا مصادمات عنيفة ومستشفى ميدانياً ودماء تسيل، دفعتهم إلى اعتبار أن ما يجرى فى مصر وتركيا شىء واحد. ووصل البعض فى حديثه إلى القول بنهاية «الفاشية الدينية» فى كل من مصر وتونسوتركيا، واكتشف مع الوقت أن مصر ليست تونس وليست تركيا. إن من يتصور أن أردوجان هو مرسى، وحزبه هو جماعة الإخوان المسلمين، لم يعرف شيئاً عن مصر ولا تركيا، فالمؤكد أن التجربة التركية هى تجربة نجاح لا فشل مثل الإخوان رغم سلبياتها الكثيرة، ولن تؤدى حتى لو خسر أردوجان الانتخابات القادمة إلى نفس النتائج المصرية. إن مقارنة تجربة حزب العدالة والتنمية بتجربة الإخوان المسلمين هى مقارنة لا أساس لها من الصحة، فالعدالة والتنمية هو ليس فقط ابن سياق ونظام سياسى مختلف عن مصر، إنما أيضاً هو ابن التجديد داخل الحزب الإسلامى العتيد فى تركيا، أى حزب الرفاه الذى أسسه الراحل نجم الدين أربكان (الطبعة التركية لجماعة الإخوان المسلمين). وقد فشل أربكان مثل الإخوان فشلاً ذريعاً فى إدارة البلاد، فكان انقلاب الجيش التركى الناعم فى 97 ليجبر الراحل أربكان على الاستقالة، وجاء أردوجان محملاً بأفكار أكثر عملية، معلناً انتماءه للنظام العلمانى وإيمانه بمبادئ الجمهورية التركية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، ونجح فى تحقيق أهم إنجازات اقتصادية شهدتها تركيا منذ عقود طويلة، وذلك على عكس مرسى الذى هو ابن التنظيم المغلق والسرى لجماعة الإخوان المسلمين، وقدم فى عام نموذجاً لا يدرس فى الفشل ومعاداة الدولة والمجتمع. صحيح أن النموذج التركى بدأ يعانى من مشكلات بقاء أردوجان الطويل فى السلطة (12 عاماً)، ودعمه لقوى الفشل فى العالم العربى ومنها جماعة الإخوان، ووضع كثيرٍ من السلطات فى يده، ورغبته فى تحويل النظام التركى من نظام شبه برلمانى إلى نظام شبه رئاسى حتى يتسنى له الترشح كرئيس للجمهورية وليس رئيس وزراء، (لا يسمح قانون حزبه بالترشح أكثر من 3 مرات) والبقاء فى السلطة التى بات غير قادر على فراقها. معضلة النظام السياسى التركى، الذى يحتج عليه قطاع واسع من الأتراك، فى وجود الحزب المهيمن وليس التنظيم الإخوانى كما يتصور البعض فى مصر، وهو قادر على الحكم عبر ماكينة انتخابية وسياسية كفؤة لسنوات طويلة، ويضمن ما بين 50 إلى 60 فى المائة من أصوات الناخبين، وهو ما حدث فى تجارب كثيرة ليس لها علاقة بالعالم الإسلامى ولا الإسلاميين، مثل جنوب أفريقيا مع حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، وفى روسيا الاتحادية، وفى المكسيك لفترة طويلة من الزمن (استمرت 70عاماً)، ويحدث الآن فى تركيا، وهو تحد قد يثير نفس شكل الاحتجاجات التى رأيناها فى مصر لكنه لا يوصل لنفس النتائج. [email protected]