لا أحد يعرف على وجه الدقة عدد المواطنين المصريين المقيمين فى الخارج، لأن الأرقام المتاحة حول هذا الموضوع تتباين كثيرا. ومع ذلك فالتقديرات الأكثر رجحاناً تشير إلى أنه لا يقل بحال من الأحوال عن خمسة ملايين شخص. ولأن أغلبيتهم الساحقة هاجروا بحثاً عن عمل، قبل أى شىء آخر، فضلاً عن أنهم غالباً ما يقيمون بمفردهم ولا يصطحبون زوجاتهم وأولادهم، فمن البديهى أن تكون أعمارهم قد تجاوزت سن الثامنة عشرة ولهم الحق فى الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات. غير أن هؤلاء لا يشاركون، من الناحية الفعلية، فى أى انتخابات، حتى ولو كانت لديهم بطاقات انتخابية، لأنه لا يعقل أن يعودوا إلى وطنهم للإدلاء بأصواتهم فى كل مرة تجرى فيها انتخابات، خصوصاً وأنهم يعلمون مقدما أن أصواتهم لا قيمة لها، وأن النتائج المعلنة لأى انتخابات لا تعكس بالضرورة حقيقة ما جرى فيها. فإذا أضفنا إلى ذلك أن النظم المعمول بها فى مصر حاليا، وعلى عكس ما هو معمول به فى العديد من الدول الأخرى، لا تسمح لمواطنيها المقيمين فى الخارج بالإدلاء بأصواتهم فى مقار السفارات أو القنصليات المصرية المنتشرة فى مختلف عواصم العالم وفى بعض كبريات مدنه. معنى ذلك أن هناك ما يقرب من خمسة ملايين ناخب يمثلون نسبة يعتد بها من إجمالى الناخبين، لا يسمح لهم فى الواقع بممارسة حقهم فى الانتخاب، وهو أمر معيب حقاً ويمثل عائقاً أمام المشاركة السياسية فى مصر. وقد لاحظت، من خلال زيارات حملتنى مؤخراً إلى العديد من العواصم العربية، أن حالة الحراك السياسى التى تشهدها مصر حاليا قد امتدت بالفعل إلى الجاليات المصرية التى أصبحت تبدى رغبة متزايدة وملحة فى أن تتاح لها فرصة أكبر للمشاركة فى صنع مستقبل الوطن، ومن هنا المطالبة بأن يكون لها الحق فى المشاركة فى الانتخابات، وأن يمكن أعضاؤها من الإدلاء بأصواتهم فى السفارات أو القنصليات المصرية القريبة من أماكن تواجدهم فى الخارج. وهذا مطلب مشروع تماماً، ومن ثم على الدولة أن تتعامل معه بجدية وأن تعمل كل ما فى وسعها للاستجابة له وتشرع على الفور فى وضع الضوابط الخاصة لتحويله إلى واقع على الأرض. أدرك أن تلك ليست عملية سهلة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالمشاركة فى انتخابات تشريعية تجرى على أساس انتخابات فردية يبلغ تعداد دوائرها حاليا حوالى 222 دائرة. غير أن بوسع الدولة، إن حسنت نيتها، وصدق عزمها، أن تعثر على حلول مقبولة لهذه المشكلات الفنية، سواء بتخصيص دوائر خاصة للمقيمين بالخارج و/أو باعتماد نظام التمثيل النسبى. وفى جميع الأحوال يمكن البدء فوراً بمنحهم حق التصويت فى الانتخابات الرئاسية والتى تشكل مصر كلها دائرة واحدة فيها!. ولأن المصريين المقيمين بالخارج لا ينتمون بالضرورة للمعارضة، يحسن بالحكومة أن تتعامل مع مطلبهم هذا بالجدية التى يستحقها، باعتباره مطلباً عاماً لكل المصريين، وليس مطلباً خاصاً بالمعارضة، فضلاً عن أن عدم الاستجابة له يعد انتهاكاً للدستور!