مجمع البحوث الإسلامية: منهج الأزهر يقوم على الوسطية والاعتدال    مساعد وزير الصحة: تسليم 20 مستشفى على مستوى الجمهورية خلال العام الحالي    أبرزها تنظيم الإعلام الإلكتروني، مجالات التعاون بين مصر والأردن (إنفوجراف)    جامعة دمياط تختتم الملتقى الأول لخريجي كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    يونيسف: التصعيد الأخير في رفح الفلسطينية سيؤدي إلى معاناة مزيد من الأطفال    كيربي: قدمنا بدائل لإسرائيل لهزيمة حماس لا تستدعي عملية عسكرية في رفح    البيت الأبيض: بايدن أعرب لنتنياهو عن معارضته عملية رفح الفلسطينية مرارا وتكرارا    الخارجية الأمريكية: لا توجد مؤشرات علي عملية عسكرية واسعة برفح    الرئيس السيسي يحذر من العواقب الإنسانية للعمليات الإسرائيلية في رفح الفلسطينية    محلل سياسى فلسطينى: إسرائيل استغلت حرب غزة لتحقيق أهداف استراتيجية لها    زد يعود للانتصارات بالفوز على سموحة 1/2 في الدوري الممتاز (صور)    "بعد اقترابه من حسم اللقب".. كم عدد ألقاب الهلال في الدوري السعودي؟    ارتفاع الأمواج ل3 أمتار، الأرصاد تحذر من الملاحة بالبحر المتوسط غدا    حريق هائل بمخزن شركة الإسكندرية للأدوية بحي المنتزه    ننشر مذكرة دفاع حسين الشحات في اتهامه بالتعدي على محمد الشيبي (خاص)    إياد نصار يكشف تفاصيل شخصيته في مسلسل إلا الطلاق (فيديو)    أسماء جلال تنضم لفيلم "فيها إيه يعني"    روبي تتصدر التريند ب "الليلة حلوة"    قوات الاحتلال تعلن بدء عملية عسكرية بحى الزيتون فى غزة    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 6.. الجن روح تطارد بينو وكراكيري وتخطف زيزو (تفاصيل)    الأزهر للفتوى يوضح فضل شهر ذي القعدة    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس فقط    أمين الفتوى: الزوجة مطالبة برعاية البيت والولد والمال والعرض    حسام موافي يحذر أصحاب هذه الأمراض من شرب المياه بكثرة    بنك التعمير والإسكان يحصد 5 جوائز عالمية في مجال قروض الشركات والتمويلات المشتركة    أوقاف شمال سيناء تعقد برنامج البناء الثقافي للأئمة والواعظات    القباج تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    لمواليد برج العقرب والسرطان والحوت.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج المائية    "الخارجية" تستضيف جلسة مباحثات موسعة مع وزير الهجرة واللجوء اليوناني    تفاصيل مشروع تطوير عواصم المحافظات برأس البر.. وحدات سكنية كاملة التشطيب    «الهجرة» تكشف عن «صندوق طوارئ» لخدمة المصريين بالخارج في المواقف الصعبة    مصطفى غريب يتسبب في إغلاق ميدان الإسماعيلية بسبب فيلم المستريحة    متحور كورونا الجديد «FLiRT» يرفع شعار «الجميع في خطر».. وهذه الفئات الأكثر عرضة للإصابة    وزير الصحة يشهد فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لهيئة المستشفيات التعليمية    فصائل عراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات بواسطة طائرتين مسيرتين    قوات الدفاع الشعبى تنظم ندوات ولقاءات توعية وزيارات ميدانية للمشروعات لطلبة المدارس والجامعات    محافظ الشرقية: الحرف اليدوية لها أهمية كبيرة في التراث المصري    محافظ أسوان: تقديم أوجه الدعم لإنجاح فعاليات مشروع القوافل التعليمية لطلاب الثانوية العامة    بعد قرار سحبه من أسواقها| بيان مهم للحكومة المغربية بشأن لقاح أسترازينيكا    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    ظهور أشياء غريبة في السماء لأول مرة.. ماذا يحدث خلال كسوف الشمس المقبل؟    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    أحمد عيد: سأعمل على تواجد غزل المحلة بالمربع الذهبي في الدوري الممتاز    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشيوعى» فى حضن «الإسلامى»
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 10 - 2010

التعددية هى «القاعدة»، أما الكارثة فهى أن تتحول إلى «استثناء»، وأسباب ذلك مفهومة، ولذلك قيل إن «اختلافهم رحمة»، وهذا القول لا ينطبق على الفقهاء وأقطاب المذاهب الدينية فقط، وإنما ينطبق أيضاً على المشتغلين بالعمل الذهنى بجميع أشكاله، ومن بينهم بطبيعة الحال الكتاب والصحفيون.
ولهذا.. لا غرابة فى أن ينقسم هؤلاء إلى «يمين» و«يسار»، وأن يتحمس بعضهم ل«العلمانية» وفصل الدين عن الدولة، بينما يلوذ بعضهم الآخر بفسطاط «الأصولية» و«الدولة الدينية»، ويحن شوقاً إلى عصور «الخلافة».. إلى آخر ذلك من تصنيفات.
هذا التنوع العظيم ليس ظاهرة طبيعية فقط، بل إنه أيضاً مصدر ثراء، وقوة دافعة للمجتمعات وللبشرية جمعاء، لأن «الحوار» الخلاق بين الرأى والرأى الآخر يولِّد تبصرات مدهشة وأفكاراً جديدة لم تكن فى حسبان أحد، سواء من أهل اليمين أو أهل اليسار، الذين يعبر كل منهم عن مصالح طبقية واجتماعية وفئوية مختلفة.
وهذا التعايش المنطقى، والحوار الخلاق، بين الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية المتنوعة - انطلاقاً من القاعدة الذهبية القائلة «دع مائة زهرة تتفتح ومائة مدرسة فكرية تتصارع» - إنما هو سمة أساسية من سمات المجتمعات الحية، أما المجتمعات «الرثَّة» فهى تلك التى تعادى التنوع وتكره التعددية وتحاول فرض الزى الواحد، والرأى الواحد، أو تلك التى يتحول فيها الحوار البناء بين أنصار المدارس المختلفة إلى «تقطيع هدوم»، وسجال، وتلاسن، وضرب تحت الحزام، ورغبة انتقامية من «الآخر» وفقاً لمبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا»، وعندما تسود مثل هذه النعرات فى مجتمع ما.. فقل عليه السلام.
■ ■ ■
وللأسف الشديد.. فإن المناخ السائد فى مصر فى الآونة الأخيرة ينتمى إلى هذا النوع الأخير من حوار الطرشان.
ومما يؤسف له أكثر وأكثر أن تكون الجماعة الصحفية والإعلامية - التى يفترض فيها قيادة الحوار المجتمعى الخلاق - هى الأكثر انزلاقاً إلى أوحال هذه الصراعات غير المبدئية، التى استبدلت الحوار الراقى والمتحضر ب«الردح» البذئ والمبتذل، واستبدلت القضايا المهمة بسفاسف الأمور، وحولت الصراع الفكرى المحترم إلى تصفية حسابات شخصية وغارات عشائرية صحفية وإعلامية ضيقة الأفق دفاعاً عن مصالح صغيرة ومغانم تافهة.
■ ■ ■
هذه الروح الانتقامية العشائرية التى تتغلغل يوماً بعد يوم فى المشهد الصحفى والإعلامى غريبة على التيار الرئيسى للجماعة الصحفية والإعلامية المصرية منذ الإرهاصات الأولى لبناء الدولة المدنية الحديثة فى مطلع القرن التاسع عشر، حيث تبلور مركز الثقل الرئيسى لأدبيات نهضة مصر الحديثة من خلال «معارك فكرية» رفيعة المستوى على أكثر من صعيد، بين أنصار الدولة المدنية الحديثة وأتباع الدولة التقليدية.
وهذه المعارك الكبرى موثقة ولا داعى لاجترار ما هو معلوم منها بالضرورة، وإن كان استدعاؤها للذاكرة لا يخلو من فائدة فى هذا الجو المسكون بالعنف اللفظى - والمادى - الذى تتطاير فيه الاتهامات المتبادلة ب«التكفير» و«التخوين» بخفة عجيبة واستهتار منقطع النظير، والأعجب أن يكون ذلك بسبب الاختلاف فى الآراء حول قضايا صغيرة فى كثير من الأحيان، أو الاختلاف حول شخص مرشح لمنصب كبير أو صغير!!
وحتى على الصعيد الإنسانى فإنه من المثير للانتباه استعادة صورة العلاقات الشخصية بين أنصار المدارس الفكرية المتعارضة فى الأيام الخوالى، أيام حلم النهضة والتطلع إلى نفض غبار التخلف والجمود والركود عن مصر المحروسة.
■ ■ ■
ولن أعود كثيراً إلى الوراء.. بل سأكتفى بالعودة إلى سبعينيات القرن الماضى، وهى فترة عايشتها شخصياً وكان لى على الأقل حظ أن أكون شاهداً على هذه العلاقات الإنسانية الراقية بين بعض رموز تلك المرحلة من الصحفيين والكتاب والأدباء والمبدعين الذين اختلفوا فكرياً وأيديولوجياً بصورة جذرية حول قضايا بالغة الخطورة، ومع ذلك فإنهم أداروا هذه المعارك الفكرية باحترام شديد.
وهناك عبارات تتردد الآن كثيراً دون أن تكون لها ترجمة فعلية فى الواقع، من قبيل أن «اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية» هذه العبارة الأخيرة أصبحت تنتمى إلى ما يسميه المناطقة ب«الفئات الفارغة» التى تتحدث عن كائنات ليس لها «ماصدقات»، أى ليس لها تجسيد فعلى فى الواقع، لأننا باختصار نرى اليوم أن أتفه خلاف فى الرأى بين صحفى وآخر يقتل الود تماماً، بينما أساتذتنا الذين سبقونا كانوا يختلفون مع بعضهم بعضاً دون أن يتسبب ذلك فى تعكير صفو علاقتهم الإنسانية.
■ ■ ■
وسأضرب مثالاً واحداً لذلك يعود تاريخه إلى انتفاضة 18 و19 يناير 1977، التى أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات لقب «انتفاضة الحرامية»، التى تمت ملاحقة العشرات بتهمة التحريض عليها، وكان من بين هؤلاء المناضل والمفكر والشاعر الكبير محمود توفيق، أطال الله فى عمره ومتعه بالصحة والعافية.
لكن محمود توفيق تمكن من الهروب والإفلات من الاعتقال، وليس المهم هو فعل الهروب، المهم بالفعل هو إلى أين هرب وإلى من لجأ؟!
لقد اختار المناضل اليسارى محمود توفيق الكاتب «الإسلامى» الكبير جداً محمد على ماهر، أحد أهم رواد الدراما الدينية، وأحد أهم أقطاب الصوفية، مؤلف العمل الإذاعى الخالد «أحسن القصص»، وكان بيته فى حلوان هو الملاذ الذى احتمى به السياسى «الشيوعى» محمود توفيق، وفى هذا «المخبأ» كان يأتى لزيارته بصورة منتظمة - وسرية بالطبع - عدد من رموز الجماعة الثقافية والأدبية والصحفية من أبرزهم الأديب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى والأديب العبقرى سعد مكاوى، وأذكر أنه ذات مرة وبعد أن طالت فترة الهروب وعزلة محمود توفيق عن الناس، اقترح عليه محمد على ماهر أن يصاحبه فى «حضرة» صوفية كان يعقدها فى نفس البيت الذى يختبئ فيه ويحضرها بالطبع عدد ليس بالقليل من «المريدين» الذين يرتلون «الأوراد» ويمارسون الطقوس المعروفة لدى المتصوفة، وكانت تجربة مدهشة أن نكون شهوداً على هذه التجربة الإنسانية العجيبة.
والقصة فيها تفاصيل كثيرة، ومثيرة، وحافلة بالدروس، وتستحق أن تعود إليها فى وقت لاحق، لكن ما قصدت استخلاصه من هذه الواقعة هو تذكير الأجيال الحالية بكيفية إدارة أساتذتنا لمعاركهم الفكرية، ومقارنة ذلك بالحروب الأهلية المتخلفة التى يحفل بها المشهد الصحفى والإعلامى حالياً، وتأمل مضمون هذه المقارنة بين احتماء «الشيوعى» بصديقه «الإسلامى» وبين حروب التكفير والتخوين الدائرة الآن.
وأتذكر بهذه المناسبة أن الفنان ياسر محمد على ماهر - الذى بدأ نجمه يلمع ويسطع فى سماء التمثيل والدراما التليفزيونية والسينمائية مؤخراً، الذى هو فى نفس الوقت نجل الكاتب العظيم محمد على ماهر - سأل والده ذات يوم مستغرباً: كيف يمكن أن تكون هناك صداقة بينك أنت الكاتب الإسلامى المعروف وبين صحفى يسارى شاب مثل سعد هجرس؟! وكانت إجابة محمد على ماهر درساً رائعاً لابنه ياسر ربما سنعود إليها ذات يوم.
■ ■ ■
وحتى على الصعيد السياسى سنجد نكوصاً مخزياً إلى الوراء، ففى القصة التى ذكرت طرفاً مختصراً جداً منها انتهت قصة هروب الأستاذ محمود توفيق بطلب من الرئيس أنور السادات - الذى كنا نختلف مع كل سياساته - لمقابلة الشاعر الهارب، بعد مناقشة أكثر إثارة مع عبدالرحمن الشرقاوى، الذى حمل طلب السادات إلى محمود توفيق فى مخبئه، ولم يتخذ محمود توفيق موقفاً فورياً بل طرح الموضوع للمناقشة مع صاحب البيت والأصدقاء الذين يترددون عليه، وهذه قصة أخرى، ليست أقل دلالة، انتهت بلقاء بين محمود توفيق والرئيس السادات فى استراحة القناطر الخيرية، لعل الشاعر الكبير يروى تفاصيلها وأسرارها ذات يوم.
■ ■ ■
وليس المقصود بفتح غرفة التذكارات عن هذه الواقعة، التى حدثت منذ ما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاماً، النبش فى دفاتر قديمة، وإنما المقصود - بالأحرى - وضع هذه النماذج المضيئة أمام الجماعة الصحفية والإعلامية لعلها تكون حافزاً لنبذ الحروب الأهلية الصحفية الحالية، وهى حروب خائبة، الغالب فيها مغلوب، والكل خاسر فيها.. وأول الخاسرين هو مصداقية الصحافة والإعلام.
فهل نتعلم؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.