وصل البرادعى، وتم استقباله شعبياً بفصائل المعارضة ومجموعات كبيرة من الشباب، وعائلياً حضر إخوة البرادعى وأولادهم وهم يحملون أعلام مصر، فشعرت بالفخر والحنين لهذا النوع من الأسر المصرية المحترمة التى تعلمت فى مدارس الدولة وتبوأت أعلى المناصب الأكاديمية والدبلوماسية وخدمت مصر وشعبها، وكانت تعتبر فى زمن سابق أرقى الأسر المصرية حين كانت مصر هى التى نعرفها، ولكن التغييرات التى حدثت فى المجتمع المصرى بسبب فساد النظام السياسى والاقتصادى أدت إلى أن تصدر المجتمع المصرى قلة من رجال الأعمال الجادين وأغلبية صنعوا إمبراطورياتهم بخلفيات فيها فساد كبير مصحوب بالإجرام، وقد ساعد على ذلك تزاوج السلطة بالثروة التى خلقت نجوماً مختلفة للمجتمع، تاريخها الفساد وحاضرها بطش السلطة. وعلى القنوات التليفزيونية استمع الشعب المصرى للبرادعى على الهواء مباشرة مع منى الشاذلى فى العاشرة مساءً. سألت منى الدكتور البرادعى أسئلة كثيرة صعبة ومحرجة وإجاباتها ليست سهلة من مواطن يقدم نفسه لأول مرة على الهواء مباشرة للشعب ولأطياف المعارضة وأيضاً للنظام الحاكم، وبالتأكيد كان البرادعى هادئاً وثبت أن عنده خبرة كبيرة فى الحوار السياسى اكتسبها من عمله الدبلوماسى فى الهيئات الدولية. لقد قدم البرادعى نفسه على أنه مواطن محب لبلده وبرغم غيبته عنه سنوات طويلة فإنه كان دائم الحضور إلى مصر، وكان يراقب كل صغيرة وكبيرة فى أرض الوطن. وكان واضحاً أنه يتقدم لخدمة مصر وإنقاذها من الكارثة التى تحيط بها بسبب تردى الأوضاع وغياب الديمقراطية وعدم تداول السلطة والتعديل الدستورى المعيب وتردى الأحوال الاقتصادية وارتفاع معدلات الفساد بصورة غير مسبوقة وهو يقول إنه لا يبغى شيئاً لنفسه ولكنه يريد أن يساعد الوطن على القيام من كبوته. سألته منى الشاذلى عن مخاطر الديمقراطية والخوف من قيام نظام فاشيستى دينى، فرد بأن الديمقراطية سوف تحل المشكلة الطائفية، ومشكلة فزاعة الإخوان المسلمين التى يتلاعب بها النظام، وكذلك مشكلة الفساد الذى لن يتستر عليه أحد. وعن السياسة الخارجية كان واضحاً أن البرادعى يرفض أن تخوض مصر معارك سياسية فى المنطقة لصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وهو مقتنع بأهمية وجود علاقات جيدة مع تركيا وإيران، ويؤيد أن تقوم مصر بحماية حدودها مع غزة وتنظيمها، ولكنه أيضاً يطالب بفتح معبر رفح بصفة مستمرة وتنظيم العبور منه، حسب القواعد التى تضعها مصر على جميع النقاط الحدودية الأخرى، وتسمح بمرور الغذاء ومواد الطاقة وغيرها إلى شعب غزة، ويعتقد أن المعارك السياسية مع الدول العربية الناتجة عن مباراة كرة قدم فى غير صالح مستقبل مصر. تكلم البرادعى عن أهمية التعليم وكارثة الأمية التى يعانى منها 30% من الشعب المصرى والمشاكل الصحية، كل هذا شىء جميل ورائع، ولكن كيف يحقق البرادعى كل هذا وهو لا يملك حزباً ولا تنظيماً ولا صحيفة ولا يستطيع الترشح فى الانتخابات الرئاسية حسب الدستور الحالى؟ ما العمل إذاً؟ لابد أن يقوم المصريون بمساندة البرادعى بجميع الطرق السلمية داخلياً وخارجياً لتأييده وأول شىء هو جمع توقيعات من المصريين لتغيير الدستور المعيب من ملايين المصريين، وإذا نجحت هذه الحملة فى جمع مليون توقيع فسوف تكون خطوة تضع النظام فى مأزق كبير. يجب أن تخاطب الحملة الأقباط وتجذبهم إلى العمل السياسى وتشعرهم بأن هذا هو وطنهم، ويجب أن يتركوا الجانب الدينى والروحانى للكنيسة، أما الجانب السياسى فهو لهم كمصريين. لابد أن يعرف الرئيس أن التغيير قادم فى مصر مثلما حدث فى العالم، وأنه تأخر كثيراً بسبب مساندة أمريكا وإسرائيل للنظام خوفاً من نظام جديد يتعامل مع إسرائيل بطريقة قانونية ولا يقدم لها خدمات إضافية، وكذلك الخوف من الإخوان المسلمين. التغيير لن يحدث إلا عن طريق الشباب، الفئات المعارضة النشطة فى المجتمع أدت دوراً عظيماً، وعليها أن تكمل دورها مع البرادعى، ولكن الجميع فشل فى إحداث التغيير، الشباب الذى رأيته فى المطار والذى شاهدته على شبكة الإنترنت فى ال«فيس بوك» فاقت أعداده كل تصور. لو أمكن تنظيم هذا الشباب وتحرك بطريقة سليمة منظمة لن تستطيع قوة التوقف أمامه. أدعو البرادعى للاعتماد بصفة أساسية على هذا الشباب الواعد الذى اعتقدنا أنه ضائع، ولكنه وجد نفسه أخيراً، وشكراً لشبكة الإنترنت التى حققت المعجزة فى تجميع الشابات والشبان. أنادى كل مصرى صغير فى مكانه بأن يتحدث إلى زملائه وأصدقائه بأهمية تغيير الدستور لنختار قيادتنا بأنفسنا، وبأهمية قيام فترة انتقالية برئاسة محايدة تتحرر منها الأحزاب والهيئات، وتعمل بين الناس، وبعدها تتم الانتخابات. الكرة الآن فى ملعب الشعب المصرى الذى يجب ألا يتوقف عن تأييد البرادعى بكل الطرق السلمية ويكون مستعداً لتلقى ضربات غير قانونية وغير إنسانية وغير عادلة، وذلك أملاً فى إصلاح مصر. والأمل أساساً معقود على الشباب الواعد الذى أرجو أن يحقق ما فشلت فيه الأجيال السابقة. لن يفعل البرادعى شيئاً وحده فى هذه الغابة الشيطانية المليئة بالذئاب واللصوص وأصحاب المصلحة فى استمرار الأمور بالوتيرة نفسها، إذا لم يتحرك الشعب كله لن يحدث شىء. أدعو الجميع أن ينسوا الخلافات الضيقة وأن يفكروا فى مستقبلهم ويتوقفوا عن الخوف، فكلنا سوف نموت مرة واحدة، ومن الأفضل أن نموت الآن ونترك وطناً له مستقبل للأجيال القادمة.