عناصر التشويق والإثارة فى مأساة هشام طلعت، بأبعادها الإنسانية والاجتماعية والسياسية، تبدو بلا سقف وبلا قاع، وبالتالى بلا حدود على كل الآفاق والأعماق!. ويلاحظ أن الانتباه كان قد تركز فى البداية على جانب الإثارة فى بعده الإنسانى، الذى جسدته قصة عشق أفضى إلى القتل، قبل أن يتحول لفترة إلى بعده الاجتماعى، الذى جسدته علاقة الأب والأزواج الثلاثة بالضحية، حيث كان يفترض أن تبقى علاقة الأب بابنته والزوج بزوجته، نبيلة ومقدسة بصرف النظر عما تكشّف من سلوكها بعد ذلك كفنانة طموح ولعوب، لكنها اختزلت، بل ابتذلت فى النهاية، لتبدو كأنها مجرد صراع على ميراث بين وحوش مفترسة تجردت من آدميتها. ومع ذلك ظل البعد السياسى لهذه المأساة، الذى جسدته علاقة حميمة ربطت بين هشام طلعت وأعلى مستويات صنع القرار فى مصر، هو الأكثر جذبا للانتباه، خاصة بالنسبة للنخب المسيّسة. زاد من أهمية هذا البعد نشر وسائل الإعلام فضيحة عقد مشروع «مدينتى» التى ألقت بأضواء كاشفة على مدى ما وصلت إليه علاقة الزواج المحرم بين المال والسلطة من خطورة. لذا راح الناس يتابعون القصة باهتمام مضاعف ليروا كيف سيتعامل القضاء مع اختبار صعب يبدو فيه النظام وكأنه يحاكم نفسه. ومن الواضح أن من شأن الحكم، الذى صدر أمس عن محكمة جنايات جنوبالقاهرة برئاسة المستشار عبدالسلام جمعة، الذى قضى بسجن هشام طلعت خمسة عشر عاما وبالسجن المؤبد على محسن السكرى، أن يصب زيتا على هذه المأساة المشتعلة، وسيضيف إلى ما تتمتع به من إثارة وتشويق كثيرا من اللغط وسوء الفهم. كثيرون، منهم محامو الدفاع أنفسهم، أصابهم الحكم بدهشة بالغة لأسباب تبدو إجرائية. فقد صدر الحكم فجأة، وقبل الإدلاء بالمرافعة النهائية، أو حتى استكمال سماع بقية الشهود. لكن كثيرين غيرهم أصابهم الحكم بدهشة أكبر لأسباب سياسية ومضمونية فى الوقت نفسه. فقد أنقذ الحكم هشام طلعت من حكم بالإعدام، كان قد صدر فى حقه من دائرة أخرى برئاسة المستشار المحمدى قنصوة، توقعه البعض وانتظره طويلا لاستخدامه كدليل إضافى على تواطؤ السلطة والمال، من ناحية، ولتأكيد عدم استقلال القضاء فى مصر، من ناحية ثانية. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الحكم بدا للبعض الآخر غريبا وغير منطقى فى الوقت نفسه، خصوصا إذا ما قورن بالحكم الأول لأنه جاء، من ناحية، مخففا لصالح هشام طلعت الذى حكم عليه بخمسة عشر عاما فقط، وتمييزيا، من ناحية أخرى، لأنه حكم على محسن السكرى بعقوبة أغلظ، وهى المؤبد، على الرغم من أنه لم يكن سوى أداة فى يد المحرض الأصلى على الجريمة والمساعد على ارتكابها بالمعلومات والمال. للدائرة التى أصدرت هذا الحكم المثير للجدل تاريخ مشهود فى «القضايا المسيّسة»، حيث سبق لها أن قضت بسجن مجدى أحمد حسين فى قضية حزب العمل عام 1999، وسعد الدين إبراهيم بتهمة التخابر وجمع معلومات تضر بالأمن الوطنى، برأته منها محكمة النقض... إلخ. ولا جدال فى أن صدور الحكم من هذه الدائرة بالذات سيثير المزيد من اللغط. ولأن فصول القصة لم تنته بعد لأن محامى الدفاع سيرفعونها إلى محكمة النقض أملا فى الحصول على البراءة الكاملة لبطل القصة بعد أن تم إنقاذه من حبل المشنقة، فمازالت كل عناصر الإثارة والتشويق مستمرة.