ربما عن جهل أو عن قصد يتخذ بعض المسؤولين فى مصر، خاصة من هم بدرجة وزير، قرارات دون مبرر ودون دراسة بشأن فئات أو قطاعات عريضة من الشعب ينتج عنها رد فعل عنيف يتمثل فى اعتصامات وإضرابات ومظاهرات ضد النظام وضد الحكومة . هؤلاء المسؤولون يأخذون بالسهل من الأمور ولا يجهدون أنفسهم بدراسة حالة المجتمع فى اللحظة الراهنة ولا يتعبون أنفسهم بدراسة تأثير قراراتهم على شريحة كبيرة من الشعب يتبعها أضعاف عددها من أسرهم التى يعولونها . أزمة الصيادلة وإضراب أصحاب المقطورات والعاملين عليها نموذجان قريبان وقعا خلال الأسبوع الماضى وكان لهما أثر سيئ على الشارع المصرى الذى كثيرا ما اشتعل بسبب قصور الفهم لدى مسؤول بدرجة وزير أو بدرجة رئيس مصلحة أو بأى درجة. بل كاد الصحفيون أيضا يدخلون فى أزمة مع النظام عندما بدت بوادر غدر من الحكومة التى كانت تبيت النية لقطع البدلات التى حصل عليها الصحفيون من قبل على مدى سنوات طويلة كنوع من تحسين أوضاعهم المالية السيئة بالفعل، وكذلك كخطوة تجاه تعديل رواتبهم وإنشاء كادر لهم أسوة بالمهن الأخرى التى فى نفس مستواهم . لقد كادت أزمة الصحفيين تصل إلى نقطة حرجة لولا أن سارع النقيب مكرم محمد أحمد إلى مخاطبة الرئيس مباشرة فكان القرار باستمرار صرف البدلات. ومن المهم هنا أن أذكر أنه فى الاجتماع الذى عقده رئيس الوزراء وصفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، وحضره عدد من رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية- حاول د. يوسف بطرس غالى أن يوجه الاجتماع فى اتجاه إلغاء البدلات لكن تصدى صفوت الشريف بقوة لهذا الاتجاه ورفض المبدأ وأكد أن مثل هذه الأمور غير قابلة للمناقشة . الذى تدخل وقرر استمرار البدلات هو الرئيس مبارك، أيضا الذى تدخل لحل مشكلتى المقطورات والصيادلة هو الرئيس مبارك . السؤال إذن: إذا كان رأس النظام لم يتخذ أو يوافق على قرارات تمس مصالح فئات عريضة من الشعب، فمن الذى يتخذ مثل هذه القرارات ويشعل النار فى الشارع المصرى؟ . إن البعض فى الحكومة يخطئ كثيرا، وللأسف إلى أن يتم تصحيح الأخطاء تكون هناك آثار عديدة ترتبت عليها، فالمواطنون يكونون قد أضيروا بنسبة كبيرة سواء على مستوى الدخل أو على مستوى إهدار الجهد والوقت، أيضا يكونون قد تشبعوا سلبيا بشكل كاف بموقف ضد النظام، هذا الموقف لا يذهب أثره بسهولة حتى لو كان من بين هؤلاء من يؤيدون النظام أو أعضاء فى الحزب الحاكم، فلو أن مواطنا تعرض للضرر والخسارة فى لقمة عيشه لن يكون له أى إخلاص أو انتماء للحزب الذى تسببت حكومته فى إلحاق الضرر به . الأمر الطبيعى أن المسؤول قبل أن يتخذ قرارا يجب عليه أن يدرسه بكل أبعاده دراسة كاملة، أن يدرس الفائدة التى ستعود على المجتمع والعائد الذى تستفيد منه الحكومة، وأن يتحقق من أن قراره سيقبل من الفئات التى يمسها سواء بالنفع أو بالسلب، فإصدار القرارات ليس مجرد ممارسة لسلطة أو أبهة يحتمها المنصب، فالقرارات تؤثر على مصالح مواطنين وراءهم العديد من الأسر والعائلات . هناك سؤال: هل الحكومة جزر منعزلة؟!! هل التنسيق بين أعضائها منعدم ؟ !! هل القرار يكون مدروسا لكن المواطنين لا يعجبهم العجب؟!! وإذا كان القرار مدروسا ولصالح الناس والمجتمع والدولة، فلماذا يتدخل رئيس الجمهورية لوقف الاحتقانات فى الشارع وينزع فتيل أزمات يسببها البعض عن جهل، أو ربما عن قصد؟ ■