ربما لم تحرز الصين تطوراً ملحوظاً فى مجال حقوق الإنسان لكنها نجحت فى أن تنأى بدورة الألعاب الأوليمبية الماضية «بكين 2008» عن أى مشاكل مما دفع الجميع للإشارة بتنظيمها لفعاليات الأوليمبياد فيما يشبه «الكوكب الأوليمبى» بالعاصمة بكين. ونجحت الحكومة الشيوعية فى استضافة أفضل دورة أوليمبية فى التاريخ حتى الآن وتوجت البعثة الصينية جهد لاعبيها عبر السنوات الماضية بإحراز لقب الدورة عن جدارة من خلال حصد عدد قياسى من الميداليات الذهبية. وأعاد السباح الأمريكى مايكل فيلبس والعداء الجامايكى أوساين بولت كتابة التاريخ الأوليمبى فى بكين. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن قادة الصين استحقوا «الميدالية الذهبية الأخيرة لنجاحهم فى إدارة الصورة الفاشيستية». وأوضحت الصحيفة «حصلت بكين على ما أرادته من هذا الحدث المذاع عالمياً ونالت تقديراً هائلاً ستستخدمه بالتأكيد فى تدعيم تأثيرها الدولى، وإننا نخشى أن تحكم قبضتها بشكل أكبر على مقاليد الأمور فى الداخل». ووصف البلجيكى جاك روج، رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية، أوليمبياد بكين التى أقيمت خلال الفترة من الثامن إلى 24 أغسطس الماضى بأنها «استثناء حقيقى». وعززت الصين صورتها بشكل طبيعى من خلال التنظيم الرائع للدورة ومن خلال نجاح بعثتها فى انتزاع صدارة جدول الميداليات بعدد قياسى من الميداليات والفوز بلقب الدورة الذى احتكرته الولاياتالمتحدة منذ فوزها بلقب أوليمبياد لوس أنجلوس 1984. ولكن هذه الدورة تسببت فى بكاء نحو 1.3 مليار صينى عندما انسحب نجمها الشهير ليو شيانج من سباق 110 متر حواجز بسبب الإصابة رغم أنه كان المرشح الأول للفوز بالسباق. وقدمت بكين للعالم مواقع رياضية عملاقة ورائعة تشبه التحف الفنية مثل الاستاد الأوليمبى الرئيسى الذى عرف باسم «عش الطائر» ومجمع أحواض السباحة الذى عرف باسم «مكعب الماء». وشهدت الدورة مشاركة 1149 لاعباً ولاعبة من 204 دول تنافسوا فى 302 سباق، كما شهدت الدورة تحطيم 43 رقماً قياسياً عالمياً ومئات من الأرقام القياسية الأخرى. كان فيلبس «23 عاماً» هو ملك هذه الدورة الأوليمبية، حيث فاز بثمانى ميداليات ذهبية وحطم سبعة أرقام قياسية عالمية، وتجاوز الرقم القياسى السابق فى عدد الميداليات الذهبية التى يحرزها أى لاعب فى دورة أوليمبية واحدة «سبع ذهبيات» والذى كان مسجلاً باسم مواطنه السباح مارك سبيتز فى أوليمبياد 1972. كما رفع فيلبس رصيده من الميداليات الذهبية فى الدورات الأوليمبية إلى 14 ذهبية بفارق خمس ذهبيات عن أقرب منافسيه. وفى الوقت الذى أشاد فيه العالم كله بالإنجاز الخارق لفيلبس ظل السباح الأمريكى معتدلاً فى تصريحاته وقال لوكالة الأنباء الألمانية «د. ب. أ»: «لا أعلم ما يجلعنى مختلفاً، إننى أفعل ما أحبه فأنا أحب المنافسة وأعشق السباحة، لدى أهداف هائلة للغاية وضعتها أمامى وهو ما يحفزنى بالفعل ويدفعنى للأداء بقوة». ولكن تحطيم الأرقام القياسية العالمية فى أوليمبياد بكين لم يكن مقصوراً على فيلبس أو على المنافسة فى أحواض السباحة حيث شهد استاد «عش الطائر» المواجه لمكعب الماء تحطيم عدد من الأرقام القياسية فى ألعاب القوى. وأعاد بولت «22 عاماً» كتابة تاريخ العدو عندما حطم الرقم القياسى العالمى لسباق العدو 100 متر قاطعاً مسافة السباق فى زمن بلغ 9.69 ثانية كما حطم الرقم القياسى العالمى لسباق العدو 200 متر قاطعاً المسافة فى 19.30 ثانية، وساعد منتخب بلاده على نفس الإنجاز فى سباق 4*100 متر تتابع ليقطع الفريق السباق فى زمن بلغ 37.10 ثانية. وقال ستيفن فرانسيز المدير، الفنى للمنتخب الجامايكى لألعاب القوى، «لديكم أينشتاين ولديكم إيسحق نيوتن ولديكم بيتهوفن ولديكم أوساين بولت، لا يمكن تفسير كيف وماذا حقق هؤلاء إنجازاتهم». ولم يكن بولت الوحيد الذى أحرز ثلاث ميداليات ذهبية بل انضم إليه كل من الدراج البريطانى كريس هوى والسباحة الأسترالية ستيفانى رايس ولاعب الجمباز الصينى تشاو كاى. كما مثلت الدورة الأوليمبية فى بكين مجداً هائلاً للرياضة الصينية حيث أصبحت الصين ثالث دولة فقط تكسر احتكار الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى لقمة جدول الميداليات بعد أن حققت بريطانيا ذلك فى أوليمبياد 1908 وألمانيا فى أوليمبياد 1936 وحققت الدولتان ذلك أيضاً عندما استضافت كل منهما فعاليات الدورة. وساهم فى هذا النجاح غير المسبوق للصين فى الدورات الأوليمبية اكتساح لاعبى ولاعبات الفريق جميع الميداليات الذهبية فى تنس الطاولة وفوز الصين بسبع من الذهبيات الثمانى فى منافسات الغطس، بالإضافة للنجاح الكبير فى منافسات الجمباز وفوز الصين بأول ميدالياتها الذهبية فى الملاكمة. وأنهت الصين منافسات الدورة بحصد 51 ميدالية ذهبية و21 فضية و28 برونزية ليصل مجموع ميدالياتها فى الدورة 100 ميدالية متنوعة. وحلت البعثة الأمريكية فى المركز الثانى برصيد 110ميداليات متنوعة «36 ذهبية و38 فضية و36 برونزية» وتلتها البعثة الروسية برصيد 72 ميدالية متنوعة «23 ذهبية و21 فضية و28 برونزية». بينما حققت بريطانيا أفضل رصيد إجمالى لها من الميداليات المتنوعة فى أى دورة أوليمبية على مدار قرن كامل من الزمان بحصد 47 ميدالية متنوعة «19 ذهبية و13 فضية و15 برونزية» وحلت البعثة البريطانية فى المركز الرابع لتظهر بعض ما يمكن أن تحققه عندما تستضيف العاصمة البريطانية لندن الدورة القادمة عام 2012. ولكن لم تقتصر أحداث أوليمبياد بكين على المنافسة الرياضية، حيث شهدت الدورة عدداً آخر من الأحداث كان أبرزها العناق والقبلة بين الراميتين الروسية ناتاليا باديرينا والجورجية نيون سالوكفادزة بعد ثلاثة أيام فحسب من اندلاع الأزمة بين بلديهما. وقال روج «أعتقد أن هذا النوع من الروح الرياضية والأخوة ملحوظ بالفعل». كما طبع الرباع الألمانى ماتياس شتاينر قبلة على صورة زوجته الراحلة سوزان والدموع تنهمر من عينيه بعد فوزه بذهبية مسابقة وزن فوق الثقيل. وقال شتاينر عن زوجته الراحلة التى لقيت حتفها فى حادث سيارة خلال يوليو 2007 «إنها معى دائماً، وفى الساعات التى سبقت فعاليات المسابقة كانت معى أيضاً». وفى المقابل شهدت الدورة أيضاً الركلة المشينة من لاعب التايكوندو الكوبى آنجل ماتوس للحكم، بالإضافة لاكتشاف بعض حالات تعاطى المنشطات التى كان أبرزها من نصيب الأوكرانية ليودميلا بلونسكا التى جردت من فضية المسابقة السباعية كما تواجه خطر الإيقاف مدى الحياة لأنها المرة الثانية التى يثبت فيها تعاطيها المنشطات خلال مسيرتها الرياضية. وأجرت اللجنة الأوليمبية الدولية رقماً قياسياً من اختبارات الكشف عن المنشطات بلغ نحو خمسة آلاف اختبار أسفرت عن اكتشاف 39 حالة تعاطى منشطات فى الشهر الذى سبق انطلاق فعاليات الدورة. ولم يحسم الموقف بالنسبة لبعض هذه الحالات كما تعتزم اللجنة الأوليمبية الدولية إجراء إعادة فحص للعينات التى أخذت من اللاعبين واللاعبات خلال الدورة للكشف عن الجيل الجديد من عقار «إيبو» المنشط.
