نيكانور أوباما لا يمت للرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما بصلة قرابة، لكنه الآن يستفيد من اسمه غير التقليدى. فقد أوقف ضابط بوليس بولاية فيرجينيا سيارته لتجاوزه السرعة القانونية، لكنه تركه يرحل بدون مخالفة، إكرامًا لتشابه الأسماء وليس لأنه «عارف هو بيكلم مين». فهذا الضابط يمكنه أن يحرر المخالفة لباراك أوباما ذاته فى ظروف مغايرة، لكن هذا هو «شهر العسل» الذى ينعم به أى رئيس منتخب. وهو لا يستمر بالضرورة ثلاثين يومًا مما تعدون، بل يمتد وينكمش حسب الرئيس والأوضاع العامة. وفى حالة أوباما يفترض أن يطول شهر العسل آخذا فى الاعتبار الإنجاز التاريخى الذى حققه كأول أسود يدخل البيت الأبيض، إلا أن المشاكل الداخلية والخارجية لن تترك له فرصة ليقف مزهوًا أمام المرآه فى المكتب البيضاوى، ولن تطول الأسئلة بشأن «الكلب الأول» الجديد وطبيعة علاقته بطفلتى أوباما: شاسا وماليا. فسوف يكون عليه –أوباما وليس الكلب- أن يتصدى لأكبر أزمة اقتصادية منذ ثمانين عاما، كما أنه يواجه حربين فى العراق وأفغانستان، وكان عليه أن يواجه أسئلة صعبة بشأن تصاعد الأزمة بين الهند وباكستان حتى قبل أن يدلى باليمين الدستورية. ومع التوقعات الكبرى والآمال المعقودة على أوباما، فإن الصدمة ستكون أكبر إذا اختلت فى يده عجلة القيادة. ولو أخذنا باختياراته حتى الآن لإدارة الشؤون الاقتصادية وقضايا الأمن القومى فيبدو أنه وضع قدميه على الطريق الصحيح، حيث أوضح أنه سيكون براجماتيا فى أسلوب إدارته، كما أن المحيطين به أكثر وسطية من توجهاته الليبرالية المعلنة. فهو لم يذهب لإرضاء أنصاره من أقصى اليسار لعلمه أن الانتخابات قد انتهت، وأن عليه أن يلجأ لذوى الخبرة حتى لو أثار ذلك تذمر بعض مؤيديه وتساؤلهم عن رسالته بشأن التغيير. وسوف يكون من المثير متابعة صراع القوى ليس بينه وبين الجمهوريين المعارضين، ولكن مع شخصية ليبرالية مثل رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى التى ستسعى لاستخدام سيطرتها على الأغلبية الديمقراطية الكاسحة فى المجلس لدعم دورها فى تحديد السياسات ووضع الأجندة، التى قد تتصادم مع التوجهات الواضحة لأوباما بتجاوز الحدود الحزبية للجمهوريين والديمقراطيين. وقد لفت الأنظار أن اثنين من أبرز أعضاء فريق الأمن القومى الجديد ربما لم يصوتا لصالحه فى الانتخابات، وهما وزير الدفاع الحالى روبرت جيتس الذى طلب منه أوباما الاستمرار فى منصبه، ومستشار الأمن القومى الجديد الجنرال جيمس جونز. فكلاهما أكثر ارتباطا بالجمهوريين، لكنهما أيضا يتميزان بالواقعية فى التعامل مع القضايا المختلفة وهو ما كان مفتقدا فى الإدارة الأولى لبوش التى غلبت عليها التوجهات الأيديولوجية للمحافظين الجدد. وقد حظى اختيار هيلارى كلينتون لمنصب وزيرة الخارجية بالاهتمام الأكبر داخليا وخارجيا لأسباب مفهومة. فهى «سوبر ستار» وكانت منافسته القوية على مدى أكثر من عام للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطى لانتخابات الرئاسة. ولم ينس أحد إعلانها الشهير عن المكالمة الطارئة فى الثالثة صباحا عن وقوع أزمة كبيرة وأنها وحدها صاحبة الخبرة التى تمكنها من استقبال المكالمة، فى إشارة لنقص خبرة أوباما. وقد فسر البعض اختيارها إما بأنه تعبير عن الثقة بالنفس من جانب الرئيس المنتخب، أو أنه تجسيد للحكمة التقليدية بأن تجعل أصدقاءك قريبين منك، بينما تجعل أعداءك أكثر قربا. فهيلارى لاتزال هى العدو من وجهة نظرهم، واختيارها فى هذا المنصب يحد من احتمالات ترشيحها للرئاسة بعد أربع سنوات لو سارت الأمور بشكل سيئ فى الفترة الأولى. لكنى شخصيا لا أميل لهذا الرأى. فأوباما أوضح قوته بالفعل عندما تجاوز الضغوط لاختيارها فى منصب نائب الرئيس. كما أن هيلارى ليست كولين باول بولائه العسكرى الصارم، وسوف تكون أول القافزين من السفينة إن جنحت بها الرياح. وقد حذر البعض ومنهم الكاتب المعروف توم فريدمان من اختيار أعضاء متنافسين فى فريق لابد أن يكون متناغما. وهو تحذير فى محله بالنظر إلى التاريخ القريب عندما اشتد الصراع بين وزير الخارجية السابق كولين باول ونائب الرئيس ديك تشينى ومعه وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد. لكن الأمر مختلف هذه المرة. فالتناقض ليس كبيرا فى مواقف وتوجهات أعضاء الإدارة الديمقراطية. والمستشار الجديد للأمن القومى له شخصية قوية ستمكنه من إدارة العلاقة بين الخارجية والبنتاجون بشكل أفضل من كوندوليزا رايس عندما عملت فى هذا المنصب. كما أن أوباما ليس بوش الذى تحدث كثيرا عن رؤيته للعالم، دون أن يعرف الكثير عن هذا العالم، وكان عازفا بطبيعته عن الدخول فى التفاصيل، وترك أغلب سلطاته لنائب الرئيس ديك تشينى الذى حظى بنفوذ كبير. لذلك فأنا أختلف مع الصديق العزيز د. مأمون فندى فى توقعه فى «المصرى اليوم» بأن يحظى نائب الرئيس المنتخب جوزيف بايدن بدور أكبر من تشينى، مع تقديرى لخبرة د. فندى الواسعة فى الشؤون الأمريكية. فبايدن لن يحظى حتى بنفوذ آل جور الذى تولى مسؤوليات محددة مثل التكنولوجيا والبيئة، ودور النائب الجديد سيكون على مايبدو أقرب لمستشار الرئيس الذى أوضح منذ اللحظة الأولى أنه صاحب الكلمة الأخيرة!.