أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    فصل التيار الكهربائى عن 3 مناطق بمدينة بيلا فى كفر الشيخ.. اليوم    منظمة أمريكية تطالب بالكشف عن اتصالات الخدمة السرية بعد ثغرات أمنية في حماية ترامب    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    قرار جديد من النيابة ضد شخص استولى على أموال المواطنين ببطاقات الدفع الإلكتروني    لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    محمد معيط: الدعم في الموازنة 16 %.. ووصول خدمة الدين 49% يقلقني ويقلق المواطن أكثر من العجز    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    نيلي كريم تكشف لأول مرة عن دورها في «جنازة ولا جوازة»    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    المحامي ياسر حسن يكشف تطورات جديدة في قضية سرقة نوال الدجوي    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سماح وسلمى وسعاد وليلى وأمل .. «5» حكايات من قرى S.O.S فى مصر (1-2)
نشر في المصري اليوم يوم 24 - 09 - 2010

من فتحة صغيرة فى الباب ظهرت «سماح» مستلقية فى ثوب بسيط على أرضية الغرفة، إلى جوارها مباشرة رقدت «سلمى» فى ثوب أكثر بساطة على سرير صغير يرتفع عن الأرض قليلاً.. علت وجهيهما مسحة براءة تليق بفتاتين صغيرتين غارقتين تماماً فى النوم، لا تشعران بما يحدث حولهما.. بهدوء شديد مدت «أمل» يدها وسحبت الباب المفتوح لتغلقه على الفتاتين النائمتين، قبل أن تقول «همة دول سماح وسلمى اللى مستشار الوزير بيقول إنهم هربانين، أهم قدامك نايمين جوه القرية وفى عز الضهر وقدام الكل».
تفاصيل المشهد السابق لا تنهى أحداث الفيلم التى امتدت على مدار عدة شهور مضت داخل قرية S.O.S للأيتام بالقاهرة، وأغلب الظن أنه سيستمر لشهور أخرى قادمة لا يعلم عددها إلا الله، «سماح» و«سلمى» و«أمل» لسن فيه أكثر من كومبارس متكلم حيناً وصامت فى أحيان أخرى، أما الأبطال الحقيقيون فهم أولئك الذين يقفون خلف الستار، من يحركون هؤلاء الفتيات، وعشرات أخريات غيرهن، ويوجهونهن أينما شاءوا، أولئك من بيدهم حل المشكلة فى لمح البصر أو تعقيدها لتظل تتفاقم طوال العمر، تاركة وراءها آثاراً يصعب محوها أو حتى نسيانها.
«سماح»، و«سلمى» و«أمل» هن مجرد ثلاث فتيات يسكن قرية S.O.S لرعاية الأيتام بالقاهرة، بالكاد يذكرن تفاصيل مشتتة عن بدايات حياتهن داخل القرية، أما من أين جئن، ومتى ولدن فهذه أشياء لا يعرفن عنها شيئاً، كل الذى يعرفنه أنهن أصبحن نزيلات بالقرية، التى وضعت السيدة جيهان السادات حجر أساسها عام 1977 كأول قرية فى مصر تتبعها قريتان سيتم بناؤهما لاحقاً على نسق قرى S.O.S، نفس القرى التى وضع فكرتها رجل الأعمال النمساوى هيرمان جماينر عقب الحرب العالمية الثانية، بعد أن شاهد كثيراً من الأطفال الذين عاشوا بين حطام المدن التى دمرتها قنابل الحرب، فنشأوا يعانون من العوز والفاقة، متعرضين للانحراف الخلقى واللامبالاة بالحياة والانجراف نحو العنف.
«Save Our Souls» النداء العالمى «أنقذوا أرواحنا»، الذى اقتبس منه جماينر اسم قريته الجديدة باختيار الأحرف الأولى من الكلمات الثلاث ليطلقها على أول قرية يضع لبنتها عام 1949 ببلدة «إيمست» الصغيرة الموجودة فى «التيرول» ب«النمسا». كانت فكرة جماينر التى لخصها فيما بعد فى كتاب «قرى الأطفال» هى «إنشاء مؤسسات يجلب إليها الأطفال ليكونوا ضمن مجموعات أشبه بالعائلات الطبيعية»،
وعلى ذلك يتم تصميم القرى على هيئة فيلات أو بيوت صغيرة يوضع فيها من 7 إلى 9 أطفال، تحت رعاية أم بديلة، ينشأ الطفل فى رعايتها وسط أقرانه الذين يمثلون شقيقات وأشقاء له، حتى يتم عامه الرابع عشر وتتم شقيقته عامها الثامن عشر، فيغادرون جميعاً البيت الذى تربوا فيه إلى ما يعرف ببيوت الشباب، حيث يواصلون تعليمهم ويتخرجون من المنازل إلى الحياة العامة أصحاء نفسياً وبدنياً.
داخل فيلا رقم 27 بقرية S.O.S للأيتام بالقاهرة جلست «أمل» 30 سنة على كرسى خشبى فى انتظار استيقاظ «سلمى» و«سماح» من نومهما، راحت «أمل» تتحدث عن رفيقتيها أو شقيقتيها كما كانت تردد طوال الوقت الأولى «سماح» 17 سنة تدرس بالمرحلة الثانوية التجارية، أما الثانية «سلمى» 17 سنة فتستعد للالتحاق بالصف الثانى الثانوى لغات، بعد أن أنهت عامها الأول الثانوى بنجاح، وحصلت على مجموع كبير. قالت «أمل» إن الفتاتين تعيشان فى فيلتين منفصلتين مع والدتين بديلتين وأشقاء وشقيقات، مشيرة إلى أن مشاكلهما كلها انحصرت فى البداية مع أمهاتهما، بسبب أوضاع رأت فيها الفتاتان سوءًا لا يمكن السكوت عنه.
«مشاكل الأمهات مع الأطفال الصغيرين جوة القرية ما بتنتهيش» هكذا فسرت «أمل» سبب اختلاف الفتاتين مع الأمين البديلتين، «كانوا بيدافعوا عن أخواتهم الصغيرين لما الأم تضربهم»، وسبب آخر «ساعات الأم تحط للأولاد أكل حمضان وتخليهم ياكلوه غصب عنهم عشان ما تطبخش وتوفر فى الميزانية اللى بتديها لها الإدارة كل أسبوع، وسماح وسلمى ما كانوش بيسكتوا»،
كان المطلوب كما تقول أمل أن تصمت «سماح» و«سلمى»، ولم تكن هناك طريقة لإسكاتهما إلا بإخراجهما تماماً من القرية، خاصة أنهما كانا على مقربة من ترك الفيلات والانتقال للعيش فى بيوت الشابات فور إتمامهما عاميهما الثامن عشر، الأمر الذى تقل معه سلطة الإدارة عليهما.
من وجهة نظر «أمل» فإن الإدارة كانت ترغب فى أن تنتقل الفتاتان إلى بيوت الشابات، لسببين، أولهما لأن «صوتهم عالى»، وثانيهما لأن «الإدارة من زمان بتحاول تمشى الشابات الكبار الموجودين فى القرية ومش عارفة، وبالتالى مش عايزين شابات جداد». بشىء من التفصيل تروى أمل حكاية الشابات الكبار داخل القرية فتقول إن التقليد القديم الذى كان متبعاً هو ألا تخرج الفتاة من القرية إلا عند زواجها،
غير أنه مع ارتفاع سن الزواج ووجود مشاكل اقتصادية ظل هناك عدد من فتيات القرية دون زواج، مع وجود أخريات تزوجن وطلقن ولم يجدن لأنفسهن مأوى غير القرية التى نشأن فيها، فعدن مرة أخرى ليقمن فى القرية، خوفاً على سمعتهن، وحتى لا يصبحن مطمعاً لذوى النفوس السيئة، ولأن إدارة القرية لم ترتح للوضع، فقد حاولت أكثر من مرة إخراجهن من القرية، غير أنها فشلت لأن الحق مع الشابات كما تقول «أمل».
لهذه الأسباب كان إقصاء «سماح» و«سلمى» عن القرية أمراً حتمياً على حد تعبير «أمل»، وكان لا بد من إيجاد مبرر قوى لإبعادهن، بعد أن فشلت التقارير العادية التى كان مدير القرية والإخصائيون الاجتماعيون يرسلونها للدكتور عمرو أبو العزايم مستشار وزير التضامن والمدير التنفيذى للهيئة المصرية لقرى الأطفال S.O.S، وهى التقارير التى دأب كتابها على تصيد الأخطاء فيها للفتاتين كما تقول «أمل» مثل «سلمى» تستيقظ متأخراً، أو تتأخر «سماح» خارج فيلتها داخل القرية ليلاً.
لكن أحداً كما تقول «أمل»، لم يتخيل أن يتم اتهام الفتاتين فى عفتهما، وأن تقول الإدارة إنهما باتتا ليلة خارج القرية، وترسلهما إلى مؤسسات عقابية لمجرد الشك فى سلوكهما، خاصة أن توقيع الكشف الطبى عليهما أثبت أنهما عذراوان، مع سهولة تكذيب ادعاء الإدارة عليهما بالبيات خارج القرية، لأنه لا توجد أى محاضر داخلية أو خارجية تثبت ذلك، بل إن تفوق «سلمى» مثلاً فى دراستها كما تقول أمل يكفى رداً على كل تلك الادعاءات.
«كل الاتهامات اللى كانت الإدارة توجهها للبنتين سهل علاجها بشوية شدة وحسم وده اللى كنت أنا باعمله معاهم»: هكذا تحدثت السيدة «درية عبدالرحمن» المديرة السابقة لإدارة الشابات، التى يمكن اعتبارها شاهدة عيان على الحكاية منذ بدايتها، فهى تقول إن الإدارة عندما شكت فى سلوك الفتاتين أخذتهما هى بصحبة فتاة ثالثة لتوقيع الكشف الطبى عليهن، وهو الكشف الذى أثبت سلامة «سماح» و«سلمى»، وعدم سلامة الفتاة الثالثة التى أرسلت لمؤسسة عقابية، ولم يتكلم أو يعترض أحد. أما «سماح» و«سلمى» فقد ثار الجميع بشأنهما، لأن الكشف الطبى أثبت براءتهما، ورغم ذلك صدر قرار بإرسالهما إلى مؤسسات عقابية منذ أكثر من عام، ولم يتم تنفيذه إلا فى الشهور الماضية.
«سماح» و«سلمى» ترويان تفاصيل أكثر عن انتقالهما للمؤسسات العقابية، فتقول سماح إنها فوجئت بأحد موظفى القرية يأتى لمدرستها ويأخذها من هناك فى سيارة بدعوى إن هناك اجتماعاً مع الدكتور عمرو أبوالعزايم، تقول: «افتكرت إن الاجتماع ده سببه قرب انتقالنا لبيوت الشابات، لكن فوجئت بيهم مدخلنى مؤسسة العجوزة وسط بنات شكلهم صعب وأخلاقهم مش ممكن تتوصف،
وما كانش ممكن أقعد معاهم فرجعت تانى للقرية»، أما سلمى فقد كان وضعها أصعب خاصة أن إرسالها إلى المؤسسة العقابية بعين شمس تزامن مع امتحانات آخر العام التى كانت تخوضها «أخواتى فى القرية كانوا بياخدونى من المؤسسة عشان أمتحن وأرجع تانى، وفى آخر يوم امتحانات هربت من الموظفة اللى كانت بتخرج معايا من المؤسسة، وجيت القرية هنا وقعدت مع أخواتى».
لا تنتهى حكاية «سماح»، و«سلمى» عند هذا الحد، فرغم أنهما موجودتان ومقيمتان داخل القرية بعلم الإدارة كما تقولان، فإن الإدارة لا تصرف لهما ميزانية طعام بدعوى أنهما خرجتا من تحت مسؤوليتها، كما نفضت الإدارة يدها من المصروفات المدرسية التى يفترض أن يتم تسديدها لمدرستيهما، والأكثر من ذلك أنهما منذ وصولهما للقرية لم تتمكنا من الخروج منها خوفاً من عدم استطاعتهما العودة مرة أخرى.
ولم يقتصر العقاب الموجه من الإدارة للفتاتين على ذلك، ولكنه امتد ليشمل «أمل» شقيقتهما الكبرى التى تؤكد أن قراراً بقطع ميزانية الطعام عنها صدر، بعد أن ظهرت فى برنامج تليفزيونى على إحدى القنوات الفضائية لتدافع عن شقيقتيها، رغم أنها أحوج ما تكون للميزانية التى كانت تتسلمها من الإدارة بواقع 200 جنيه كل شهر، إذ إنها لا تعمل، وتعانى من حساسية فى الصدر تستلزم تناول أدوية معينة.
ومن القاهرة إلى الإسكندرية حيث «سعاد» 35 سنة نزيلة قرية S.O.S للأيتام بالعامرية، تتذكر «سعاد» جيداً أنها دخلت قرية العامرية قبل افتتاحها، وأنها اختيرت ضمن أطفال آخرين ليقدموا الورود للسيدة جيهان السادات التى افتتحت القرية فى نهاية السبعينيات، وأنها نشأت ضمن شقيقات وأشقاء فرقهم الزمن فتزوج منهم من تزوج،
وغادر القرية منهم من غادر، أما هى فتقول إن إدارة القرية فى الماضى أجبرتها على الخروج من المدرسة قبل أن تحصل على الشهادة الإعدادية بسبب رسوبها فى إحدى المواد، ولذلك كان عليها أن تلتحق بالعمل فى أحد المصانع، ولم يتجاوز عمرها الخامسة عشرة، وبعد سنوات طويلة قالت إنها أمضتها فى العمل خارج القرية عُرض عليها أن تشغل وظيفة خالة داخل القرية تمهيداً لشغل وظيفة أم فى القرية التى كانت تعانى نقصاً فى عدد الأمهات والخالات.
أمضت «سعاد» كما تقول ما يقرب من أربعة أعوام فى وظيفة الخالة، ثم انتقلت لتشغل وظيفة أم بإحدى الفيلات لرعاية 9 أطفال وفتيات وفتيان، نجحت كما تقول فى تزويج واحدة، وخطوبة اثنتين، غير أنه مع تغير الإدارة وقدوم مدير جديد، كما تقول سعاد، بدأت المشاكل تظهر، فتقول: أنا اعترضت على بعض الأوضاع داخل القرية التى يقوم بها بعض الأشخاص ممن يحابيهم المدير، وعقاباً لها على ذلك تربصت الإدارة بها، وانتهزت فرصة ضربها لأحد الأطفال لديها بعصا حتى يأخذوها قرينة ضدها ويعزلوها من وظيفتها.
«لما ضربت الولد، العصاية جات فوق عينه بقيراطين راح المدير خده بعد الضرب بأربع أيام وعمل له كشف طبى، وقال إنى كنت هاضيع عين الواد، وبعد كده لقيتهم سيبونى وظيفتى كأم بديلة، وطلبوا منى أشتغل عاملة بوفيه»، ثم اكتشفت ضياع ستة آلاف جنيه من دفتر توفيرها الخاص. «دفتر التوفير ده بيبقى عند الإدارة وأنا ما أعرفش مين اللى سحب منه الفلوس». رفضت سعاد بالطبع أن تعمل فى البوفيه، وقامت بتقديم شكاوى إلى المسؤولين، ولم يمض وقت طويل حتى جاءتها أخبار بنقلها إلى قرية طنطا لتعمل وتقيم هناك، فقامت بتقديم استقالتها مع استمرار إقامتها فى بيت شابات العامرية.
هل تجد مشاكل الفتيات الأربع صدى لدى المسؤولين؟ ربما، وربما أيضاً تتفاقم لتصل إلى الحد الذى يصعب علاجه كما حدث مع «ليلى» خريجة قرية S.O.S بمدينة طنطا، رغم أنها تعانى من مشكلة من نوع آخر، فطبقاً للقوانين واللوائح فإن «الهيئة المصرية لقرى الأطفال S.O.S» أصبحت غير مسؤولة عن ليلى بعد أن تزوجت وخرجت من القرية بإرادتها، وهى نفسها تدرك ذلك جيداً، غير أنها تدرك أيضاً حاجتها الإنسانية ليد حانية تربت عليها هى وطفلتيها خاصة بعد أن انفصلت عن زوجها ووجدت نفسها تواجه الحياة لأول مرة وحدها.
فى شقة صغيرة تقع فى الطابق الأرضى لأحد المنازل بقرية سبرباى التابعة لمدينة طنطا راحت «ليلى» 29 سنة تروى تفاصيل حكايتها. قالت إنها من أبناء S.O.S بطنطا، دخلتها فى بداية ثمانينيات القرن الماضى، ونشأت فيها إلى أن بلغت منتصف العشرينيات وقت أن تقدم لها أحد الشباب من سكان المنطقة ليتزوجها، وهى لا تنكر أنها تسرعت فى الزواج منه أملاً فى أن تكون أسرة وبيتاً، غير أن أحلامها فى الزواج تبخرت فور أن بدأت المشاكل بينها وبين زوجها عقب زواجها بفترة قصيرة، فقد اعتاد زوجها أن يعتدى عليها بالضرب، وزادت المشكلة تعقيداً، بعد أن أنجبت منه طفلتين أصبحتا كل أملها فى الحياة.
«ليلى» التى رفضت التصوير حرصاً منها على مشاعر طفلتيها قالت إن مسؤولى القرية كانوا حاضرين بقوة فى خلافاتها مع زوجها، فقد ساعدوها فى الحصول على عفشها من شقة زوجها، بعد أن ضاعت قسيمتها من داخل القرية، وقاموا بتشوينه فى قرية طنطا، كما أن الدكتور عمرو أبوالعزايم المدير التنفيذى لقرى الأطفال أعطى أوامره للموظفين «عيالها يدخلوا حضانة القرية، ويتشاف لها شغل، وتأجروا لها شقة، وتطلقوها عند مأذون، وإيجار الشقة إحنا ملزومين بيه 6 شهور».
غير أنه بمجرد دخول الموضوع فى الجد لم تجد ليلى أحداً إلى جوارها «سابونى أتطلق لوحدى عند المأذون وكأنى واحدة مقطوعة ما لهاش أهل»، وما زاد الأزمة تعقيداً أن الموظفين لم ينفذوا ما طلبه منهم الدكتور أبوالعزايم، فلا أولادها دخلوا حضانة القرية، ولا وفروا لها عملاً ببكالوريوس الحاسب الآلى الحاصلة عليه، ولم يدفع لها أحد أجرة الشقة التى تسكنها الآن للشهر الثالث على التوالى، بالإضافة إلى ذلك تعنتوا فى تسليمها منقولاتها التى كانت محفوظة فى القرية بدعوى أنها أصبحت عهدة وعليها أن تراسل الإدارة فى القاهرة لتسمح لها بذلك.
«حاولت أكلم الدكتور عمرو أكتر من مرة وما قدرتش أوصل له» تقول ليلى، «ورغم إنهم سابونى من غير معين إلا إن ربنا حنن قلب الناس اللى برة على فدفعولى أجرة شهرين للشقة ووفروا لى شغل وربنا يسهل فى الأيام اللى جاية». ليلى قالت إنها لا تطلب الكثير ولا تطلب مأوى فقد توفر لها، ولا تطلب عملاً فقد التحقت بعمل بعيد عن القرية وموظفيها، ولا تطلب إعانات مادية، كل الذى تطلبه هو «حد يطبطب علىّ.. دى عندى بكنوز الدنيا كلها».
غداً
مستشار وزير التضامن يرد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.