من يملك الوفد؟ قطعاً حزب كبير مثل حزب الوفد ليس ملكاً لرئيسه ولا هيئته العليا، ولا حتى أعضائه.. الوفد بقيمته وتاريخه والآمال المنعقدة عليه ملك لكل المصريين، وكل مصرى لابد أن فى داخله بعض «جينات» وفدية تدفعه إلى التعامل مع هذا الحزب باعتبار أن له فيه نصيباً، وأن الحديث عنه ليس تدخلاً فى شأن داخلى، وإنما حديث فى شأن عام. وعندما يراهن المصريون على «الوفد»، مدفوعين بأمل عودة الأمور إلى سياقها الطبيعى، وكسر احتكار الحزب الواحد السلطة، عن قناعة بأن انفراد أى حزب بالسلطة هو أكبر خطر على المجتمع، سواء كان هذا الانفراد بالقانون، كما فى الأنظمة الشمولية، أو بحكم الأمر الواقع، كما فى الحالة السياسية المصرية حالياً. يراهن المصريون على الوفد عن قناعة بأن المنافسة الحقيقية والنزيهة هى الخطوة الصحيحة والبداية التى ينتظرونها، وحتى تكون هذه المنافسة ذات جدوى وفاعلية فلابد أن يقف وراءها حزب قوى ومتماسك يدرك قيمة ما يعبر عنه من قيم ومبادئ. هل يعلم الوفديون هذه الحقائق، ويدركون قيمة ما آل إليهم، وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وسط انشغالاتهم بمعارك داخلية صغيرة جداً، وكأن ما من معارك تنتظرهم غير محاولات فرض الهيمنة من هذا الفريق أو ذاك، والانشغال بمعارك خاصة تفتت الحزب وتقسمه، ولا تؤهله أبداً للمعركة الحقيقية التى ينتظرها المصريون جميعاً. لقد ضرب «الوفد» مثلاً للديمقراطية فى انتخاباته الأخيرة، هذه الخطوة التى فتحت نافذة أمل مشرعة لمرحلة جديدة من إعادة بناء الحزب، بما يضيف للحياة السياسية. ولو يعرف أولئك الذين يتنازعون فى داخل البيت الوفدى أن دورهم فى هذا الظرف التاريخى أهم وأخطر من دور الوفد فى ثورة 1919، ففى تلك الفترة كانت البلاد تواجه محتلاً، وكانت دعوة الوفد عليها توافق شعبى كبير، وعظيم، سهل مهمته ومنحها زخمها وتأثيرها، واليوم المهمة أصعب، لكنها أهم وأخطر، والوفد مطالب بطرح نفسه كبديل حقيقى ومقنع للجماهير بالالتفاف حوله، وهو مطلب لن يتحقق دون تقدير من الوفديين لهذه المسؤولية. هذه الكلمات ليست انتصاراً لفريق ضد آخر، ولكنها إحساس بخوف حقيقى على الوفد، باعتباره شأناً مصرياً عاماً، لا يليق أن يهدر جهده فى نزاعات داخلية، وتغيب عن عينيه المهمة الأسمى والأجل، ولا يمكن أن ينجح فى إقناع الناس بالالتفاف حوله، وبداخله فريقان متنازعان، فشل كل منهما فى إقناع الآخر بما لديه، وفى إدارة حوار هادئ، وفى قبول الاختلاف، وبدلاً من الانشغال بالاختبارات الجدية القادمة، مازال الخلاف قائماً. المصري اليوم