لم تقتصر آثار التفجير، الذى استهدف الحرس الثورى الإيرانى أمس، على مجرد مقتل 2 من كبار قواد الحرس الثورى، ومقتل وإصابة العشرات، بل أتى التفجير ليذكر بالمشاكل التى تعانيها إيران فى مواجهة بعض الأقليات المتمردة، مما كاد يتسبب فى اضطرابات داخلية واسعة النطاق فى أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتى اعترض على نتائجها الكثير من الأقليات فى المجتمع الإيرانى. فعلى الرغم من حقيقة أن المجتمع الإيرانى يبقى فى غالبيته متماسكاً ومتمسكاً بقيادته وبنظرية ولاية الفقيه، فإن المعارضة الإيرانية للنظام تبدو مؤثرة وفعالة فى مواجهة قوة النظام الإيرانى وتعدد مؤسساته المسيطرة على الدولة والمجتمع. ويبدو هذا واضحاً عند استعراض مدى تنوع المعارضة الإيرانية التى تضم علمانيين، ومتدينين رافضين لنظرية ولاية الفقيه، وموالين لنظام الشاه، وسنة ساعين للحصول على قدر أكبر من الحقوق فى ظل النظام الشيعى الإيرانى. ومما يثير مخاوف الدولة الإيرانية فى الآونة الأخيرة حقيقة أن جميع أنواع المعارضة الأخيرة تنشط وبمختلف الطرق فى مواجهة الدولة، فى الوقت الذى يعانى فيه النظام السياسى نفسه أثناء محاولته علاج الجراح التى خلفتها الانتخابات الرئاسية فى جسد النظام. ويأتى التفجير الأخير ليذكر بالمتاعب التى تثيرها الأقلية السنية فى المناطق المحاذية للحدود الباكستانية لإيران، فعلى الرغم من محاولات الانفتاح المستمرة من جانب الرؤساء الإيرانيين المتعاقبين، فإن العلاقات بين تلك الأقلية والدولة الإيرانية بقيت متوترة للغاية، وظل الطرفان يتبادلان الاتهامات بالإرهاب أو بالاضطهاد. وعلى الرغم من أن هذا الهجوم ليس جديداً على المنطقة، فإن خطورته أنه الأول من نوعه منذ إجراء انتخابات الرئاسة، مما يوقظ العنف فى منطقة هدأت نسبياً منذ فترة، بل وكانت السلطات الإيرانية تسعى لمنحها المزيد من الهدوء من خلال الاجتماعات مع قيادات السنة فى المنطقة، فإذا بها تواجه بالمزيد من التصعيد المفاجئ. وتتمثل صعوبة مثل هذه الاضطرابات فى أنها تضع النظام الإيرانى بين خيارين، أحلاهما مر، الأول يتمثل فى التعامل الأمنى مع مثل تلك الاضطرابات، وهو ما تقدر عليه الدولة الإيرانية إلا أن تداعياته السلبية المستقبلية مؤكدة، والآخر التعامل السياسى مع الاضطرابات بما يقتضيه هذا الأمر من تنازلات قد يرفض النظام الإيرانى تقديمها. وما يزيد من الضغوط على النظام الإيرانى ويجعل رغبته للتخلص من الاضطرابات، التى يثيرها السنة أو مجاهدى خلق، هو حقيقة تعرضه لضغوط خارجية شديدة من أجل وقف البرنامج النووى ولإيقاف العداء ضد إسرائيل، مما يثير مخاوف طهران من استغلال الغرب للاضطرابات الداخلية لإضعاف الموقف الإيرانى التفاوضى أو حتى لتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووى الإيرانى، بمعنى أن تكون الأقليات «حصان طروادة» (أخيل) الذى تتسلل منه الولاياتالمتحدة على قلب طهران.