لم يتردد أعضاء الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم كثيرا فى منح جائزة «نوبل» فى الفيزياء هذا العام - وقيمتها 2.8 مليون دولار- لثلاثة علماء، هم البريطانى من أصل صينى تشارلز كاو مؤسس بحوث الألياف البصرية وأشباه الموصلات، مناصفة مع الأمريكيين وويلارد بويل وجورج سميث، تكريما لجهودهم فى تحويل الضوء إلى إشارات كهربائية مكنت من الوصول إلى تقنيات التصوير الرقمى. أسباب حصولهم على الجائزة واضحة حتى لغير المتخصصين، فقد استطاعوا أن يصلوا بابتكاراتهم إلى بيوت الناس واحتياجاتهم بمنتهى البساطة، وهو ما يمثل انتصاراً لمفهوم «العلوم من أجل حياة أفضل للناس». قبل 76 عاماً ولد «كاو» فى مقاطعة شنغهاى الصينية، وأكمل دراسته الثانوية فى كلية سانت جوزيف فى هونج كونج، ثم تخرج من قسم الهندسة الكهربائية عام 1957 فى كلية الفنون التطبيقية من جامعة جرينيتش، وحصل على درجة الدكتوراه عام 1965، من أمبريال كوليدج فى لندن، ثم أجرى بحوثه الرائدة فى مجال الألياف البصرية عام 1966. وانتقل بعدها إلى هونج كونج، حيث أنشأ قسم الهندسة الكهربية فى جامعة هونج كونج بالصين عام 1970. وشغل منصب نائب رئيس الجامعة وهو الآن أستاذ شرفى. وأجرى «كاو» أبحاثه التى حصل من خلالها على جائزة نوبل فى الفيزيا قبل أن يعود إلى الصين خلال فترة الستينيات من القرن الماضى فى مركز الأبحاث التابع لشركة الاتصالات البريطانية «ستاندرد تليفونز آند كيبولز» أثبت أن الضوء وليس الكهرباء يمكن استخدامه فى نقل الحديث والبيانات بدقة وبسرعات عالية للغاية مازال العالم يكتشفها حتى الآن باعتبارها أكثر أنواع أشباه الموصلات سرعة، وهذه التقنية يعود لها الفضل فى تطوير شبكة إنترنت المستقبل التى تعتمد على تقنية التشغيل الثلاثى Triple Play بدمج الصوت والفيديو والبيانات، ومشروعات بيوت المستقبل Smart Home تعتمد عليها بصفة أساسية والشبكات عريضة النطاق «Broad Band». وفى تعقيبها على الجائزة، قالت لجنة نوبل، المكلفة باختيار الفائزين: «لو حاولنا اليوم نشر كل الألياف البصرية فى العالم فسنحصل على خط واحد بطول مليار كلم، وهو ما يكفى للدوران حول الأرض لأكثر من 25 ألف مرة، علما بأن هذا الخط يزداد بآلاف الكيلومترات كل ساعة، وهو ما يمثل ابتكاراً، ما كانت البشرية تتوقعه يوماً». وباكتشافه هذا يكون «كاو» أول من نقل الضوء من مسافات طويلة عبر الألياف البصرية، ويعتبر هذا الاكتشاف أساساً جوهرياً للكثير من عمليات التطوير التى تتم حالياً فى الاتصالات الثابتة والمحمولة وشبكات المعلومات التى تتم بسرعة الضوء. «كاو» الملقب ب«أبو الألياف الضوئية» لكونه رائد هذا الفرع من العلم ومؤسسه يعانى حالياً من مرض الزهايمر وهذا ربما يمنعه من الوقوف يوم 10 ديسمبر القادم للحصول على جائزته كتقليد متبع من ملك السويد. ويتشارك تشارلز كاو مناصفة مع العالمين الأمريكيين جورج سميث «79 عامًا» وويلارد بويل «85 عامًا» والأخير من أصل كندى فى جائزة عام 2009 فى الفيزياء . وأسباب حصول سميث وبويل على الجائزة مختلفة عن «كاو» حيث منحت لهما الجائزة عن اختراعهما دائرة نصف ناقلة للصورة لتحويل الضوء إلى إشارات كهربائية، وقالت اللجنة: «إن اللاقط الذى ابتكراه أحدث ثورة فى عالم التصوير من حيث القدرة على التقاط الضوء إلكترونيا بدلا من استخدام الفيلم التقليدى». ويقف هذا الابتكار وراء صنع ملايين من الكاميرات الرقمية التى بيعت فى السنوات الماضية فى أنحاء العالم ، ولم يقتصر استخدامها على التصوير الرقمى بل كان أحد أهم أسباب ابتكار هذا اللاقط هو الاستخدامات الطبية داخل الجسم البشرى، بالإضافة لتصوير الأماكن البعيدة فى الفضاء وفى أعماق المحيطات. التصوير الرقمى يمثل شكلاً من أشكال التصوير الضوئى، الذى تستخدم فيه تكنولوجيا الأرقام لمعالجة الصورة بدلا من المعالجة الكيميائية المعروفة، والصور الرقمية يمكن معالجتها وتخزينها وطباعتها بسرعة فائقة، لأنها تعتمد على تقنيات مختلفة تماما عن التصوير التقليدى «بتحميض أفلام النيجاتيف»، كما أنها تتميز بقلة الكلفة وسرعة وسهولة التعامل. وديناميكية التصوير الرقمى تكمن فى التقنية التى ابتكرها سميث وبويل (CCD) ناقل الصور من العدسة إلى الشاشة الخلفية وكلما زادت مساحته زادت الإمكانيات والجودة فى الكاميرا. ويلارد بويل الأمريكى من أصل كندى ولد فى أغسطس 1942 فى «أمهرست» بكندا، وحصل بويل على شهادة الدكتوراه من جامعة ماكجيل فى كندا وخدم فى البحرية الكندية خلال الحرب العالمية الثانية، وعمل كمدير لمعامل بيل الشهيرة بأمريكا فى الولاياتالمتحدة 1979. أما جورج سميث فهو من مواليد نيويورك مايو 1930، وقد حصل على البكالوريس فى 1955 من جامعة بنسلفانيا ونال الدكتوراه من جامعة شيكاغو عام 1959، وقد استمر فى العمل فى معامل بيل فى نيوجيرسى، وشهد عام 1969 ابتكارهما لاقط الصور الرقمية «CCD» الذى يعتبر العين الإلكترونية لكاميرات الصور الرقمية. الحصول على جائزة نوبل فى الفيزياء وتعنى بالسويدية «Nobelpriset i fysik لا يتم إلا لأشخاص على قيد الحياة مثل كل جوائزه الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم. وحق الترشيح يكون للأشخاص الحاصلين على الجائزة من قبل وأيضا لأعضاء لجنة نوبل الخاصة بكل مجال، طبقاً لوصية ألفريد نوبل عام 1895 مؤسس الجائزة.