مفارقة مثيرة تشهدها الإسكندرية منذ نحو 13 سنة، فى ليلة السابع والعشرين من رمضان - وهى الليلة التى تكتظ فيها المساجد بملايين المسلمين لختام القرآن الكريم – بطلها «مسجد وشيخ وشاب»، فالمسجد هو القائد محمد إبراهيم بمحطة الرمل فى الإسكندرية، الذى يعد أحد أشهر مساجد الثغر، والشيخ يعد أحد أباطرة الدعوة الذين دفعوا ثمناً غالياً من أجل مواقفهم الدينية وشعبيتهم الواسعة، وهو الشيخ المحلاوى، أما الشاب، فهو إمام لم يتجاوز العقد الثالث من العمر، استطاع فى زمن قياسى أن يكون الأشهر على الإطلاق بين أئمة الإسكندرية، مستعيناً فى ذلك بصوته الملائكى وتواضعه الجم، وقدرته الفذة على نقلك من هموم وصخب الحياة الدنيا إلى الخشوع والتضرع فى حب الله عز وجل، وهو الإمام الشاب حاتم فريد الواعر. ففى أواخر سبعينات القرن الماضى، وتحديداً فى الحقبة الساداتية، كان مسجد القائد محمد إبراهيم مقصداً لعشرات الآلاف من الراغبين فى الصلاة تحت إمامة الشيخ المحلاوى والاستماع إلى خطبه ودروسه اللاذعة، والتى طالما أقلقت وأحرجت النظام السياسى فى مصر برمته، مما كان سبباً مباشراً فى ذيوع صيت هذا المسجد، الذى بات يستقبل المصلين من الإسكندرية وخارجها. ورغم تمكن النظام فى ذلك الوقت من «كسر شوكة» المحلاوى، والتخلص من خطبه الرنانة التى خلقت له ولمسجده شعبية «مخيفة» لرؤوس الدولة، وذلك من خلال إلقائه فى غياهب السجن، لم يستطع أحد النيل من شعبية مسجد القائد محمد إبراهيم، والتى كان المحلاوى سببها الرئيسى. «المصرى اليوم» رصدت صلاة التراويح فى مسجد القائد محمد إبراهيم بإمامة الشاب الواعر، كما رصدت صلاة العصر فى زاوية «العبيسى» بمنطقة كليوباترا، بإمامة الشيخ المحلاوى. لا أحد فى الإسكندرية بأكملها لا يستطيع تمييز صوت الواعر، فالجميع يعرفون صوته، الذى أصبح كالعلامة التجارية المسجلة به، خاصة أنه يرفض تصوير نفسه، صوراً فوتوغرافية ثابتة، مكتفياً بالتقاط الصور مع الأطفال أو الرجال، شريطة أن يكون باستخدام الهاتف الخلوى، ومن مسافات لاتظهر ملامح وجهه إذا تم عرض الصور، أما فى حال تصويره بتقنية الفيديو، فيتم تصويره من الخلف بحيث لايتم إظهار وجهه، فهو الشيخ الذى تعرفه الإسكندرية صوتاً وتجهله صورة وشكلاً. 4 محطات ترام بداية من محطة الرمل وصولاً إلى محطة مجمع الكليات المواجه لمكتبة الإسكندرية لم تكن كفيلة باستيعاب الإعداد الهائلة، التى وصلت إلى ما يقرب من مليون مصل وربما يزيد، حيث زحف مئات الآلاف من المصلين، الرجال والسيدات، على خطوط الترام واقفة على شريطى خط المترو ذهاباً وإياباً، ممتدة إلى شارع الكورنيش، والصلاة على أسواره وأعلى المظلات الموجودة به، وعلى الرصيف الفاصل بين جهتى الطريق. فى المقابل.. داخل زاوية صغيرة لم تتسع سوى لعشرات المصلين وقف الشيخ المحلاوى، متكئاً على عصاه ليؤم المصلين، الذين تعودوا على أداء صلاتى الفجر والعصر خلفه، فى الوقت الذى ارتسمت فيه ملامح الإعياء على وجهه، الذى بلغ عامه ال84، متمسكاً بحقه فى توصيل حتى ولو القليل من علمه إلى محبيه، رغم صدور قرار بمنعه من الخطابة منذ ما يقرب من 13 عاماً.