بعد 75 يوماً من الانتظار، اعتذر سعد الحريرى عن عدم تشكيل الحكومة اللبنانية ليعود لبنان إلى نقطة الصفر فى وقت هو أحوج ما يكون فيه لحكومة وحدة تقيه شر التهديدات الإسرائيلية اليومية، وتحاول إسعاف المواطن اللبنانى قبل أن تفرمه طاحونة الغلاء والمشاكل اليومية. وأسباب فشل الحريرى فى تشكيل الحكومة تنوعت بين داخلية مرتبطة بتعقيد الوضع اللبنانى الداخلى، وخارجية متعلقة بمواقف الأطراف الإقليمية التى تحرك المشهد من خلف الكواليس على المسرح السياسى اللبنانى. فقد برزت الخلافات الشخصية باعتبارها سبباً رئيسياً فى فشل جهود الحريرى لتشكيل الحكومة، حيث كان طمع زعيم التيار الوطنى الحر الجنرال ميشيل عون أحد أقطاب المعارضة فى السلطة سبباً رئيسياً لذلك، فعون الذى تبخرت أحلامه فى الوصول لرئاسة لبنان أو قيادة المعارضة بعد النتائج الهزيلة التى حققها فى الانتخابات الأخيرة يطالب بإسناد حقيبة الاتصالات المهمة لزوج ابنته جبران باسيلى، وهو ما يتجاوز الاتفاق على عدم توزير من أطلق عليهم «الفاشلون»، الذين سقطوا فى الانتخابات، ومنهم باسيلى. والسبب الثانى هو أن الأقلية متمثلة فى تحالف عون وحزب الله وحركة أمل، يرفضون الاعتراف بهزيمتهم فى الانتخابات الأخيرة من خلال سعيهم للحصول على وزارات بعينها وطرح أسماء محددة تتجاوز حتى حصة الأغلبية. واعتبر ضياء السيد القيادى بتيار 14 آذار (الأغلبية) فى تصريح ل»المصرى اليوم» أن رئيس الحكومة المكلف صبر 75 يوماً وأصغى لكل مقترحات المعارضة وحصل عون على أكثر من 70% من مطالبه، ولكن لا ينبغى أن تظلم الأقلية الأغلبية على حد قوله. السبب الثالث فهو دستورى، ويشير إبراهيم غالى المتخصص فى الشأن اللبنانى إلى أن الدساتير اللبنانية واتفاقى الطائف والدوحة لم تضع أى شروط دستورية لتشكيل الحكومة اللبنانية، فهى فقط تشترط أن تراعى الحكومة التوزيع الطائفى (أكثر من 16 طائفة) والنيابى (أغلبية وأقلية وجميع الكتل الأخرى) وحتى الجغرافى (أن تمثل كل المحافظات فى التشكيلة الوزارية)، وهو ما يجعل من مهمة تشكيل الحكومة فى لبنان مهمة شاقة جداً، وأى خلاف ولو بسيط يمثل عقبة كؤود تتحطم عليها آمال تشكيل الحكومة. ومن المفارقات هنا أنه كلما زاد نطاق الخلافات بشأن الحكومة طال عمرها، ويشير غالى إلى أن حكومة السنيورة السابقة وهى حكومة تصريف أعمال منذ 2005 والمغضوب عليها بشدة من قبل المعارضة هى أطول حكومة فى تاريخ لبنان. ويرى ضياء السيد القيادى فى 14 آذار أن الأطراف الإقليمية متمثلة فى سوريا التى مازالت تخشى قرارات المحكمة الدولية فى اغتيال رفيق الحريرى، وإيران وبرنامجها النووى تستغل ورقة الضغط بالمعارضة فى لبنان فى مزايداتهما الإقليمية. ولكن غالى يرى أن الظرف الإقليمى الحالى هو من أقل الفترات فى تاريخ لبنان تدخلاً فى الشأن اللبنانى، وأن الأسباب الداخلية كانت وراء إفشال جهود الحريرى أكثر من الأسباب الخارجية. واعتبر أن الوضع الإقليمى، يشهد حالة من الضبابية، فالعلاقات بين السعودية التى تدعم الأغلبية وسوريا التى تدعم الأقلية غامضة لا هى تصادمية ولا تنسيقية رغم أن الاتصالات لم تنقطع بين الجانبين. وحول السيناريوهات المستقبلية، فيتفق بشأنها الخبراء والمحللون حيث يجمعون على أن الرئيس سيعيد تكليف الحريرى بعد التشاور مع الكتل النيابية، ليتم التفاوض من نقطة الصفر وفق أسس جديدة. وفى هذا السياق أشار السيد إلى خيار اللجوء لتشكيل حكومة «تكنوقراط» تتجاوز المحاصصة الطائفية، باعتبارها أحد المخارج للأزمة الحالية، مؤكدا أن الأغلبية على استعداد تام لقبول مثل هذا الحل بتشكيل حكومة لا هى من النواب أو السياسيين ولكن من التكنوقراط، ولكنه أعرب عن شكه فى أن تقبل المعارضة مثل هذا الحل. ويجمع الخبراء على إن قوة الدفع لإنجاح تشكيل الحكومة الجديدة هو حدوث تغيرات إيجابية فى معادلة «سين سين» (سوريا/سعودية) بشأن الدفع بصيغة 16 وزارة للأغلبية، و11 للمعارضة، و5 لرئيس الجمهورية، لذلك بات الأمر مرهوناً باتفاق سعودى سورى يضخ الدماء فى حكومة وحدة لبنانية.