تفضل الأستاذ محمد مهدى عاكف، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، بدعوتى لتناول طعام الإفطار فى أحد أيام الأسبوع الماضى ولبيت الدعوة شاكراً ومقدراً وعندما ذهبت إلى المكان الذى تم فيه الإفطار وجدت عديدين من أصحاب الفكر والرأى ومختلف الأطياف والتيارات السياسية. كان هناك حتى بعض الناصريين رغم العداء التاريخى بين الجماعة وجمال عبدالناصر، وكان هناك الليبراليون وكان هناك مفكرون قوميون ابتعدوا عن النشاط السياسى والتزموا فقط بالتنظير السياسى. وكان هناك اثنان من الإخوة المسيحيين أحدهما من المنظرين الممتازين والآخر من الناشطين السياسيين البارزين. كانت كل الأطياف السياسية هناك عدا تيارين اثنين فقط هما الوفد والوسط وحزب الحكومة والتجمع بطبيعة الحال. وكانت الغالبية طبعاً من أهل الدار: جماعة الإخوان المسلمين. وبعد صلاة المغرب مدت موائد الإفطار، وكان إفطاراً عامراً وشهياً «لولا أن ملحه كان زائداً بعض الشىء بالنسبة لمرضى ضغط الدم». وبعد أن انتهى الإفطار وقبل تناول الحلويات الرمضانية المغرية وقف فضيلة المرشد العام الأستاذ محمد مهدى عاكف وألقى كلمة رحب فيها بالحاضرين. ولكن الكلمة لم تكن مجرد ترحيب بطبيعة الحال. كانت كلمة سياسية. قال فيها المرشد: إذا كان الحزب الحاكم يعطى لنفسه الحرية فى أن يفعل وأن يقول ما يشاء ألا يمكن أن يعطى غيره من القوى السياسية الفاعلة حق التعبير والتحرك بين الجماهير حتى يتحقق نوع من الحراك السياسى قد يستطيع أن يتغلب على الركود الموجود. ودعا المرشد فى كلمته إلى ضرورة أن تتوحد قوى المعارضة فى نوع من الجبهة أو نوع من التنسيق على ما هو مشترك بينها، وهو أكثر بكثير من نقاط الخلاف بين التيارات السياسية. وبعد أن انتهى المرشد من كلمته دعا الأستاذ الدكتور حسن نافعة للحديث ولكن الدكتور حسن اعتذر عن أن يكون هو البادئ بالحديث واقترح أن أكون أنا أول المتكلمين شكر الله له ولما دعانى المرشد للحديث ركزت كلمتى على أنه بغير ديمقراطية حقيقية تقوم على حرية تكوين الأحزاب السياسية وحرية قوى المجتمع المدنى وتداول السلطة وانتخابات حرة ونزيهة يعتمد فيها التصويت على بطاقة الرقم القومى وليس على الجداول المهترئة المزورة وضرورة سيادة القانون، بعد أن عرضت هذه الوجهة من النظر وأضفت أن قيام الجبهة بين قوى المعارضة أمر ضرورى وأن عدم قيامها أمر غير مفهوم رغم ضرورتها بل حتميتها، وبعد ذلك أعطيت الكلمة للصديق الدكتور حسن نافعة الذى اقترح المرشد العام أن يكون هو المنسق والمفعل لقيام الجبهة وإدارتها، وأوضح الدكتور حسن أنه سعيد بهذا التكليف والتشريف ولكنه أوضح أن هناك فارقاً يكرره دائماً بين الناشط السياسى والمفكر السياسى وأنه ينتمى بحكم تكوينه إلى الفئة الثانية، فئة المفكرين السياسيين، ومع ذلك فقد قبل التكليف شريطة أن يلتقى كل رؤساء الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة فيما يشبه المائدة المستديرة للبدء فى بناء الجبهة. وتحدث كثيرون بعد الدكتور حسن وكان الخط العام واحداً مع ارتفاع النبرة عند البعض واعتدالها عند البعض، ولكن الكل أجمع على سوء الأحوال وتدهورها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأنه لابد من التصدى لها، وأن قيام الجبهة إحدى الآليات الأساسية فى هذا التصدى. وطلبت الكلمة ثانية واقترحت أن يكون منسق الجبهة ومديرها هو الدكتور جورج إسحق الناشط السياسى المعروف وقدمت بين يدى اقتراحى حججاً عديدة من بينها أن اختيار جورج إسحق فيه تأكيد على معنى الوحدة الوطنية ومعنى المواطنة الصحيحة خاصة إذا انبعث هذا الاقتراح من دار الإخوان المسلمين ومن على دعوة إفطار دعا إليها المرشد العام للجماعة واقترحت أن يكون معه الأستاذ الدكتور حسن نافعة وعدد آخر من ممثلى التيارات السياسية المشاركة فى حفل الإفطار. وتفضل القاضى الجليل المستشار محمود الخضيرى نائب رئيس محكمة النقض فأيد اقتراحى باختيار جورج إسحق منسقاً للجبهة وقدم لهذا الاختيار حججاً أفضل مما قدمت. ولم يكن اقتراحى أن يكون جورج إسحق هو المنسق انتقاصاً من مكانة أخى وصديقى الأستاذ الدكتور حسن نافعة الذى يعلم مدى تقديرى واعتزازى به منذ زمن بعيد ولكن معنى التأكيد على المواطنة ومعنى الوحدة الوطنية هما اللذان دفعانى إلى اقتراح جورج إسحق. وفى كل الكلمات التى قيلت كان الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح هو الغائب الحاضر. الدكتور عبدالمنعم الذى يستحق من هذه الأمة أن تكرمه لا أن تقيد حريته. ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. وانتهى الاجتماع كما انتهى اجتماع العام الماضى والعام الذى قبله ووعد الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين بدراسة سائر المقترحات وبلورتها والعمل على وضعها موضع التنفيذ بإذن الله. وقل عسى أن يكون ذلك قبل إفطار العام المقبل إن شاء الله.