عيد الأضحى الإنجليزى!

فى 14 مايو من كل عام يحتفل الإنجليز ومعهم العالم أجمع بعيد أضحى من نوع جديد، عيد أضحى علمى، يتذكرون فيه تضحية العالم إدوارد جينر فى 14 مايو 1796 بابنه الوحيد جيمى لتجريب تطعيم الجدرى عليه فى أكبر وأخطر مغامرة علمية فى التاريخ، ولكنها هذه المرة بدون كبش فداء ينقذ الابن!
كان إدوارد جينر قديس الطب وأبو التطعيم قوى الملاحظة منفتح الفكر، يعرف أن بداية العلم هى السؤال، والأهم من السؤال نوعية السؤال، كان السؤال السائد الذى لم يفلح فى حل اللغز هو كيف نعالج الجدرى؟
هذا المرض المرعب القاتل الذى حصد أرواح 60 مليوناً فى فترة حياة جينر فقط، قرر جينر أن يغير صيغة السؤال ليصبح لماذا لا تصاب حالبات الأبقار وبائعات اللبن بالجدرى؟!،
هل إصابتهم بجدرى البقر تحميهم من جدرى البشر؟،كان لابد أن يجرب تطعيم جدرى البقر على متطوع من البشر ثم يحقنه بخلاصة المرض المرعب ليجيب على سؤاله ويثبت كشفه العلمى، قرر جينر أن يكون هذا المتطوع ابنه الوحيد!
من المحتمل جداً أن يموت هذا الابن، ويصبح شهيد العلم أو بلغة عصره شهيد الحماقة التى يصفون بها كل مكتشف يسبق عصره. أجرى جينر التجربة، ونجحت المحاولة وعاش الابن، وكسب العالم أعظم إنجاز طبى فى التاريخ، فكرة التطعيم التى أنقذت مئات الملايين من أطفال العالم الذين لابد أن يتعلموا مع كلمتى بابا وماما الدعاء لهذا الرجل العظيم الذى عانى من هجمة التخلف وسخرية المتزمتين وإهمال المسؤولين، وبرغم ذلك صمد ولم ينصف من بلده إلا بعد موته،
هددته نقابة الأطباء بالفصل إن لم يرجع عن هذيانه، وامتلأت الصحف بالكاريكاتير الذى يصور البشر بأدمغة البقر بعد التطعيم، ورفضت جامعة أكسفورد منحه درجة الدكتوراه إلا بعد دراسة الأدب الإنجليزى الكلاسيكى!
ولم يستطع أن يلحق ابنه بوظيفة فى إنجلترا، وطنه الذى ظل قرابة خمسين عاماً لا يعترف بالتطعيم ويعفى برلمانه المواطنين منه بمجرد قسمهم بأغلظ الأيمان أن التطعيم خطر على أطفالهم، فى نفس الوقت الذى عرض عليه دجال سرق فكرته أن يعينه فى عيادته التى يمارس فيها التطعيم مساعداً له!!.
كفرت إنجلترا عن ذنبها فى حق إدوارد جينر خاصة أن نابليون عندما حاربها لم يطلق الأسرى إلا بناء على طلب جينر الذى قال عنه «لا أستطيع أن أرد له طلباً»، اعترفت بعبقريته بعد أن جعلت ألمانيا يوم 14 مايو عيداً شعبياً، وبكى جينر من الفرحة قبل وفاته ليس من أجل النياشين والأوسمة، ولكنه بكى عندما تلقى خطاباً من امرأة فقيرة ريفية كتبت فيه «تعودت فى كل عام أن أوارى طفلاً أو طفلين التراب من جراء الجدرى اللعين، ولكن بفضلك عاش أطفالى يملأون الدنيا بهجة وسعادة».