أمريكا تصحو وتنام حالياً على حدث واحد لا ينافسه أى حدث آخر مهما عظم شأنه، سواء كان حدثاً إرهابياً أو انقلاباً سياسياً أو إعصاراً بيئياً!! أما الحدث فهو مشروع أوباما المقترح للتأمين الصحى، الذى لا يملك المتابع للحوار الساخن الدائر حوله سوى قول: «سبحان مغير الأحوال» فأمريكا- وهى أم النظام الرأسمالى فى الأرض- باتت تتحدث عن اختيار آخر جديد وهو أشبه بالقطاع العام، أو ما يطلقون عليه Public Option. ويعنى استحداث نظام تأمين صحى خدمى لا يستهدف الربح، تشارك الحكومة فى استثماراته وإدارته بشكل لم يتحدد بعد ولكن بالقدر الذى يحقق البعد الاجتماعى له ويخلق كياناً منافساً لشركات القطاع الخاص القائمة، التى تحتكر منذ عهود طويلة تقديم الرعاية الطبية لزبائنها، مقابل اشتراك شهرى أو سنوى تتفاوت قيمته من شركة إلى أخرى تبعاً لنوعية ومستوى الرعاية، ولكنها تمثل فى جميع الأحوال ثمناً باهظاً يدفعه المواطن الأمريكى من راتبه أو دخله لشركات التأمين، حتى يأمن شر أى طارئ صحى يضطره إلى زيارة عيادة طبيب خاص تكبده عشرات أضعاف قيمة التأمين الصحى. الحزب الجمهورى وأنصاره من أصحاب شركات التأمين الصحى لم يزعجهم أى شىء فى مشروع أوباما لإصلاح حال التأمين الصحى سوى مصطلح public Option!! وكأنه كلمة قبيحة أضيفت لقاموس السياسة والاقتصاد الأمريكى! مصطلح يطرح لأول مرة فى تاريخ أمريكا اختياراً اقتصادياً جديداً تفوح منه رائحة الاشتراكية الكريهة!! اختياراً لا يتفق بأى حال مع منهج الاقتصاد الرأسمالى الذى تتبناه أمريكا وتسوقه كروشتة إصلاح لشعوب الأرض!! وهو ما يثير شكوكاً كثيرة يروج لها الجمهوريون حالياً حول النوايا الخبيثة لسياسات أوباما القائمة على تعظيم دور الحكومة فى إدارة ومراقبة السوق، بدعوى أنها السبيل لتفادى أسباب الانهيار المالى الأخير، بينما تستهدف فى واقع الحالى التشكيك فى جدوى اقتصاد السوق الحرة وفاعلية أدوية الروشتة الأمريكية! وبرغم أن اختيار أوباما الجديد يستهدف خلق منافسة بين الخاص والعام لصالح المواطن الأمريكى ولا يعنى استبدال أحدهما بالآخر، إلا أن البعض ذهب بشكوكه بعيداً لاستثمار الدوافع الاجتماعية والإنسانية لمشروع التأمين الصحى المقترح من أوباما لتأكيد نواياه الخبيثة واعتناقه أفكاراً اشتراكية! لدرجة المقارنة بين الدور التاريخى الذى لعبه جورباتشوف فى انهيار الشيوعية والدور التاريخى المرتقب لأوباما فى انهيار الرأسمالية، ويدللون على ذلك بتعاظم الاستثمارات الحكومية فى الخدمات العامة التى طالما احتكرها وانفرد بها القطاع الخاص بهدف اكتساب تأييد الطبقة المتوسطة والفقراء وآخرها مشروع التأمين الصحى! أنصار أوباما يتعجبون من حملة التشكيك التى يتعرض لها بالرغم من أن مشروعه المقترح كان ضمن برنامجه الانتخابى، وأنه لم يخف نواياه فى استحداث نظام تأمين شبه حكومى منافس، وأنه يردد بعد توليه الرئاسة نفس عبارات الحملة الانتخابية، ومنها المصطلح الذى يثير جدلا واسعاً Public Option، أى أنه لم يغير جلده كما يقولون! بينما يتساءل أوباما عن سر خشية شركات التأمين الحالية من المنافسة فى ظل النظام الجديد بالرغم من أن المنافسة لصالح المواطن، بالإضافة لكونها توفر التأمين الصحى لأكثر من 64 مليون أمريكى لا يتمتعون به حالياً لعدم قدرتهم المالية، وهو ما يتنافى مع حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، بالرغم من تعدد برامج الرعاية الحالية للمواطن الأمريكى، وتشمل: ■ البرنامج المكمل للعون الغذائى Supplemental Nutrition Assistance Program، وكان يُعرف بالكوبونات الغذائية Food Stamps، ويستفيد منه الأسر والأفراد الذين تقل دخولهم عن حد خط الفقر، الذى يقدر بحوالى 900 دولار شهرياً للفرد و1800 دولار شهرياً للأسرة المكونة من 4 أفراد، ويستفيد من هذا البرنامج حوالى 31 مليون أمريكى. ■ الرعاية الصحية Medicare، وهو التأمين الصحى الحكومى المدعم لمن تجاوزت أعمارهم 65 عاماً. ■ المعونة الصحية Medicaid، وهو التأمين الصحى الحكومى المدعم لمحدودى الدخل من الأفراد والأسر الذين تقل دخولهم عن حد خط الفقر. تسييس مشروع أوباما أثمر عن جدل واسع النطاق قد يلعب دوراً رئيسياً فى تحديد مستقبله السياسى باعتباره أول اختبار لقدرته على تحقيق وعوده الانتخابية، ولكن أطراف الحوار يتفقون على أن الرعاية الطبية تعد مؤشراً جوهرياً للمجتمعات، الديمقراطية، التى يستدلون على قوتها بنسبة الإنفاق على الرعاية الصحية للمواطنين، مقارنة بالناتج القومى GDP، حيث تبلغ فى أمريكا 14٪، بينما لا تتجاوز 4٪ فى الصين، بالرغم من قوة الاقتصاد هناك ولكن الفارق بينهما قيمة المواطن!