كان من المقرر أن يبدأ مهرجان جدة الرابع يوم السبت 18 يوليو، ومساء الجمعة، وبعد أن انتهى إعداد كل شىء، جاءت التعليمات من محافظة جدة بإلغاء المهرجان. ويعرف العالم كله أن السينما هى مظهر أساسى من مظاهر الحداثة، كما يعرف أن معركة الحداثة فى السعودية والعالمين العربى والإسلامى هى المعركة الكبرى بين السلفيين الذين يعيشون فى الماضى بدعوى التمسك بالأصول الإسلامية، وبين من يؤمنون بأن الإسلام لكل العصور، ومن الممكن الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأنهم بذلك يدافعون عن الإسلام حقاً، وأن السعودية هى الساحة الرئيسية لهذه المعركة باعتبارها مهد الإسلام وأرض الحرمين الشريفين. كما يعرف العالم كله أيضاً أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومنذ توليه الحكم عام 2005 يقود المعركة من أجل الحداثة، ولذلك لم يكن من الغريب أن يشهد عام 2005 بمناسبة نهاية شهر رمضان المبارك أول عرض عام لأفلام تحريك فى أحد فنادق الرياض للنساء والأطفال بدعوات خاصة، وأن يشهد عام 2006 الدورة الأولى لمهرجان جدة بدعوات خاصة، وأن يشهد عام 2008 أول عرض بتذاكر للفيلم السعودى «مناحى» فى جدة والدمام، ثم فى الرياض فى فبراير الماضى. والفيلم من إنتاج «روتانا»، إحدى شركات الأمير الوليد بن طلال، وهى كبرى شركات السينما فى العالم العربى مع شركة «راديو وتليفزيون العرب» للشيخ صالح كامل، وكلاهما من رواد المعركة من أجل الحداثة فى السعودية منذ عقود، ويمتلكان الآن أغلب أفلام مدرسة السينما المصرية (1933 - 1963) التى عبرت عن الحداثة بامتياز. بفضل الثورة التكنولوجية وعاصفة الحرية التى تجتاح العالم منذ سقوط جدار برلين عام 1989، والتزامن التاريخى بين هذا الحدث المحورى وانتشار الفضائيات والكمبيوتر الشخصى وتطور كاميرات التصوير، لم يستطع أحد أن يمنع الشباب السعودى من الإمساك بكاميرا الديجيتال وصنع أفلام سعودية لأول مرة بعد مائة سنة من اختراع السينما، فى البلد الوحيد الذى يحرم الفنون ويعتبرها من الشرور، وعلى رأسها فن السينما. وقادت «رواد ميديا» ومديرها المخرج ممدوح سالم حركة أفلام الديجيتال فى السعودية، ونظمت مهرجان جدة من دون استخدام كلمة «فيلم» فى عنوانه ومطبوعاته، واقتصرت الدورات الثلاث الأولى على الأفلام السعودية، وبالتعاون مع «روتانا» تم تنظيم الدورة الرابعة التى ألغيت، وكان من المقرر أن تعرض 71 فيلماً طويلاً وقصيراً من السعودية والخليج، وتمنح لها ولمشروعات جديدة جوائز 200 ألف ريال، وتعرض 35 فيلماً من مختلف دول العالم خارج المسابقات، وتعلن إنشاء «نادى السينمائيين السعوديين«. منع مهرجان جدة، نعم، وفى اللحظة الأخيرة على نحو يؤكد احتدام المعركة من أجل الحداثة، ولكن من الذى يستطيع أن يمنع الإنسان من التوق إلى الحرية إلا إذا كان يستطيع أن يمنع الشمس من الشروق؟ [email protected]