استرعى انتباهى مؤخرا رفض وزير التعليم المصرى د. يسرى الجمل قصر عملية تأليف الكتب الدراسية الجديدة بمواد الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية على دور نشر مصرية، فقد أكد الوزير أن عددا من دور النشر العربية والعالمية ستشارك فى تأليف هذه الكتب أبرزها دور نشر «العبيكان» السعودية. وأرجع الجمل رفضه قصر عملية التأليف على دور نشر مصرية إلى ما وصفه ب«عالمية» المواد الدراسية التى ستتم طباعة كتب جديدة بها، وأضاف أن التعليم المصرى يحتاج إلى منهج مطابق للمواصفات العالمية فيما يخص المواد التى تُدرس بجميع دول العالم كالرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية. وقال الجمل، خلال اجتماعه مع ممثلى دور النشر والطباعة المصرية والعالمية الثلاثاء الماضى، «لا يعقل أن نعيش عصر تدفق المعلومات ثم ننعزل بمناهجنا الدراسية عن دول العالم المتقدم»، لكنه أوضح أن عملية التأليف ستكون فى إطار المنهج العام للمادة، والذى يحدده المركز القومى لتطوير المناهج. وسيتم تطبيق المناهج الجديدة بمواد الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية، بدءا من عام 2010/ 2011 فى 3 محافظات بشكل مبدئى هى الإسماعيلية والفيوم ومدينة الأقصر، ضمن ما يعرف بخطة «لا مركزية التعليم»، والتى ستعممها وزارة التربية والتعليم على باقى المحافظات فى حال نجاحها. تأملت الخبر وفكرت فى طريقة تعامل مصر مع التعليم والتى يمكن وصفها بالطرافة والغرابة فبالرغم من السنوات الطويلة التى سمعنا فيها عن «تطوير التعليم» و«تحديث المناهج» وغيرها من المصطلحات الجبارة فإننا لم نر تطويرا ولا تحديثا. لقد اقتصر الأمر على شكليات لا تتعدى مط الثانوية من سنة إلى اثنتين وإلغاء السنة السادسة الابتدائية والرجوع بها إلى قواعدها سالمة غانمة. يحدث هذا بينما المواد الدراسة لا تزال كما هى وطريقة الحفظ والتلقين والدش فى الامتحانات كما هى. ولأننى أُدرّس فى جامعة القاهرة فأنا أعرف مستوى الطلاب المصريين الذين تعرضوا على مدار 12 عاما لمحرقة التعليم المصرى الذى اغتال إبداعهم ولم يغذ فرديتهم ولم يشجعهم على البحث المستقل بعيدا عن مناهج وزارة التعليم المصرية. لو كان فتح باب التنافس فى تأليف الكتاب المدرسى سيعود بالنفع على الطالب المصرى فسنؤيد هذا القرار دون تردد فنظرة واحدة على الكتب المدرسية تكشف مدى رداءة تلك الكتب. ولو اعتبر البعض فتح باب التقدم لتأليف الكتب المدرسية لجهات غير مصرية يعنى غزوا أجنبيا لمدارسنا وطلابنا، فهو مخطئ لأنه يعنى التنافس الذى لا شك سيرفع من مستوى الكتاب المدرسى، هذا فى حالة الشفافية التامة واختيار الأفضل. ورغم أمنياتى أن ينعكس هذا القرار بشكل إيجابى على طلابنا فإننى لا أستطيع إنكار قلقى وشكى فى وزارة، مثل باقى الوزارات المصرية، تفتقد الرؤية لمستقبل التعليم فى مصر وتكتفى بالشكلى وتترك كل ما هو جوهرى مثل إمكانات المدرسين وإمكانات المدارس ومحتوى الكتاب المدرسى وطريقة التدريس نفسها ونظام الامتحانات. وما دمنا نتحدث عن التعليم ومشكلاته فأنا أضم صوتى إلى د.مها السعيد أستاذة الأدب الإنجليزى واستشارية التعليم التى تمنت منذ سنوات تنفيذ فكرة إعادة الكتاب المدرسى للمدرسة من قبل الطلاب حتى يستفيد منه طلاب آخرون. إن هذا الحلم البسيط لم يجد لنفسه مكانا فى أرض الواقع حتى الآن رغم أنه كفيل بتوفير ملايين الجنيهات التى يتم صرفها كل عام على الكتاب المدرسى بالإضافة إلى أنه يرسخ لدى الطالب احترام الكتاب بدلا من تمزيقه على باب قاعة الامتحانات فى مشهد يدل على تردى العلاقة بين الطالب المصرى والتعليم.