احتفلت «كارلا برونى»، حرم الرئيس الفرنسى، بعيد ميلاد «نيلسون مانديلا» رقم 91 فى نيويورك، راحت تغنى وترقص مع آخرين من دول مختلفة، احتفاء بذكرى اليوم الذى جاء فيه مانديلا إلى العالم، قبل قرن كامل من الزمان إلا تسع سنوات! وليس المهم فى الحفل الكبير أن «كارلا» قد نسيت مؤقتاً أنها سيدة قصر الإليزيه الأولى، وعادت على مرأى من وسائل الإعلام إلى مهنتها الأصلية كمطربة لها ألبومات فى الأسواق! ولا المهم أن زوجها «ساركوزى» قد قطع عشر ساعات بالطائرة من باريس إلى نيويورك ليحضر الحفل، وأنه ذهب على حسابه وحجز تذكرة من جيبه الخاص وكان يجلس بين الحاضرين كمتفرج عادى جداً، شأنه شأن أى واحد آخر، وليس باعتباره الرجل الأول فى فرنسا! وليس مهماً أيضاً أن «مانديلا»، زعيم جنوب أفريقيا الكبير، قد اعتذر عن عدم الحضور لأسباب صحية لم تمكنه من الذهاب إلى حفل بهيج أقيم خصيصاً لتكريمه والاعتراف بفضائله! ولا المهم كذلك أن الحفل، الذى كان حديثاً ممتداً فى وسائل الإعلام لأيام عدة، قد أعاد تذكير الناس على امتداد الأرض بأن «مانديلا» الذى زهد فى الحكم لايزال حياً، وأنه يعيش بعيداً عن الكرسى وتحيطه هالة من الاحترام والتوقير، ربما بأكثر مما كانت تحيط به أيام أن كان فى قصر الرئاسة! بطبيعة الحال قد يكون مهماً للغاية أن الرجل كان هو الذى أنهى عصر التمييز ضد السود فى البلد، حين أصبح رئيساً عام 1994، وظل فى منصبه إلى عام 99، فقرر التنازل طواعية عن السلطة، وكان تقديره وقتها أن البقاء أكثر من هذا لا يجوز ولا يليق، وأنه من الضرورى أن يتخلى عن الموقع لغيره، ممن هم أقدر على العطاء وإدارة ثروات الوطن، وكان هذا هو ما حدث فعلاً، دون أن يلجأ مانديلا إلى تعديل دستور، ولا إلى يحزنون! وربما يكون ما هو أهم من ذلك كله، أن الزعيم الأسود كان عليه قبل الوصول إلى كرسى الرئاسة، أن يبقى 27 عاماً فى السجن، لا لشىء إلا لأنه كان يرى أن الإنسان الأبيض فى بلده لا ينبغى أبداً أن يتميز على الإنسان الأسود، وأن الأبيض إذا كان قد قضى وقتاً طويلاً يحكم ويسيطر ويهيمن على الثروات، فإن هذا الوضع قد آن له أن ينتهى إلى غير عودة.. وهو ما كان! وقد يكون مهماً للمرة الثالثة أن نعرف أن جمهورية جنوب أفريقيا لا تكتفى الآن بتجميع السيارات، كما كان الحال قائماً فيها فى وقت من الأوقات، ولكنها تجاوزت هذه المرحلة لتصل إلى صناعة سيارات راسخة، تبتكر فيما تقدمه للعالم من عربات، ولا تقنع بأن يكون دورها مجرد تجميع موتور من هنا أو عجلة قيادة من هناك.. كل هذا مهم جداً فى مجمله، ولكن الأهم منه على الإطلاق أن السنوات التى حكم فيها مانديلا كانت اتصالاً بين ما قبلها وما بعدها، ولم تكن انقطاعاً فى تاريخها بمثل ما حدث معنا - مثلاً - حين قامت ثورة يوليو التى نحتفل بذكراها السابعة والخمسين هذه الأيام، فكانت انقطاعاً عما قبلها فى تاريخنا، وكانت عودة إلى المربع الأول! وإذا لم يكن سوى هذا الدرس لنا، من حياة مانديلا، فى التواصل والبناء على ما كان من قبل، سواء كنا دولة أو أفراداً.. فهو يكفى ويزيد!