«البصمة الوراثية» مصطلح لم يكن أحد يعرفه حتى 1984، حينما نشر دكتور إليك جيفريز، عالم الوراثة بجامعة ليستر بلندن، بحثاً أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات وتعيد نفسها فى تتابعات عشوائية. وبعد عام واحد اكتشف جيفريز أن هذه التتابعات مميزة لكل فرد، ولا يمكن أن تتشابه إلا كما ذكرنا فى التوائم المتطابقة. وال DNA مادتنا الوراثية تتشكل فى صورة لولب مزدوج من جديلتين أو ضفيرتين، كل واحدة من الجديلتين تتكون من سلسلة طويلة مؤلفة من تتابع أربع قواعد كيماوية، يرمز لها بالحروف «الألف والثاء والسين والجيم»، وهو تتابع متفرد يصل طوله فى الإنسان إلى نحو ثلاثة آلاف مليون حرف، يقسم عادة إلى كروموسومات، وعلى هذه الكروموسومات تقع الجينات أو ما نسميه بالعربية «المورثات»، وهى مقاطع من هذا اللولب أحياناً يكون طولها مئات وأحياناً عشرات الآلاف من القواعد. وتتابع الحروف العشوائى والكم اللانهائى من التباديل والتوافيق فى التكرار والارتباط بين هذه الحروف الأربعة هو ما يصنع هذه اللغة البشرية العجيبة التى تتكون من كل سكان الأرض، وكما أن لغة العرب 28 حرفاً فإن لغة الكون هى أربعة حروف فقط. السؤال هو: هل اقتصر تحديد الDNA وقراءة البصمة الوراثية على قصة اعتقال صدام حسين التى ذكرناها؟! بالطبع لا، ولنتذكر معاً بعض القصص التى نجح الDNA فى فك ألغازها وغموضها. بالطبع أشهرها خوف وفزع كلينتون، حين وجد أن ملابس مونيكا الداخلية التى احتفظت بها ملطخة بسائله المنوى ستفضحه بعد أن تمت قراءة الDNA من خلالها، واضطر الرئيس الأمريكى المبجل عازف الساكسفون إلى أن يعزف عن لؤمه ويخرج عن صمته ويعترف، ففضل أن يفضح نفسه بيديه بدلاً من أن ينفضح على أيدى المحكمة التى لا ترحم. وغير حوادث الاغتصاب هناك التعرف على الجثث المشوهة والمحروقة وتتبع الأطفال والجنود المفقودين، وكلنا يذكر حادثة البوينج المصرية، حين تم التعرف على رفات 25 جثة مصرية انتشلت من قاع المحيط، وأيضاً التعرف على جثث ضحايا مركز التجارة العالمى فى 11 سبتمبر من خلال البصمة الوراثية. وبالطبع هناك جرائم القتل التى يترك فيها القاتل أثراً بسيطاً ولا يترك بصمات أصابع. أما إثبات البنوة فقد أصبح الDNA هو البطل الحقيقى فى ساحات محاكم أغنى الدول وأفقرها، ففى السودان على سبيل المثال لعبت البصمة الوراثية دوراً كبيراً فى قضية شهيرة اسمها «الحصاحيصا»، حيث كان هناك اختلاط فى طفلتين عمرهما يوم واحد، سلّمت القابلة كل منهما إلى الأم الأخرى، ولكن الدليل العلمى والDNA كان هو الدليل الحاسم الذى ارتاح له ضمير المحكمة. أما أغرب الحكايات عن الDNA، التى تصلح لفيلم بوليسى من إخراج هيتشكوك، فقد كان بطلها هو جيفريز مكتشف البصمة الوراثية نفسه!! فما هى هذه الحكاية المثيرة؟