(1) نهاية الشهر الماضى تقدم الصديق العزيز المهندس أبوالعلا ماضى- بصفته وكيلا عن مؤسسى حزب الوسط الجديد- بطلب للجنة شؤون الأحزاب للحصول على ترخيص رسمى لتأسيس الحزب.. وتعد هذه المرة هى الرابعة على مدى أكثر من 10 سنوات التى يتقدم فيها وكيل المؤسسين لإشهار الحزب.. وقد تفضل المهندس أبوالعلا ماضى مشكورا، بحس وطنى أصيل، أن يرسل لى مسودة البرنامج للاطلاع عليها، حرصًا منه أن يأتى البرنامج معبرًا عن مصر المركب الحضارى الثرى بتنوعه.. وهو ما جاء متوافقًا مع ما نص عليه البرنامج بكل وضوح فى عبارته الأولى: «... إن الأوطان الحرة لا تملك ترف الاستغناء عن جهود أحد أبنائها، ولا تستطيع إهمال رأى فريق منهم.ويعتقدون أن الأمة تكون أقوى عزمًا وأعظم شأنًا عندما تتضافر جهود أبنائها وتتعدد اجتهاداتهم على اختلافاتهم...». وعندما واصلت قراءة نص البرنامج فى صورته الأخيرة- وكنت قد اطلعت من قبل على المسودات السابقة- شعرت للتو كيف انحاز الحزب إلى مدنية الحزب السياسى لا دينيته.. فالحزب ليس كيانًا دعويًا وإنما هو كيان سياسى ولا يعنى ذلك أن يكون فى خصومة مع الدين.. وبدا لى وكأنه استعاد العلاقة التى حسم طبيعتها الإمام محمد عبده فى نهاية القرن التاسع عشر عندما أكد مدنية الأحزاب.. كيف؟ (2) ذلك عندما قام الإمام محمد عبده بصياغة برنامج الحزب الوطنى المصرى سنة 1881 لتؤكد هذا التوجه.. ففى المادة الخامسة من هذا البرنامج يقول: «الحزب الوطنى حزب سياسى، لا دينى، فإنه مؤلف من رجال مختلفى العقيدة والمذهب، وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم إليه، لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات.. وأن حقوقهم فى السياسة والشرائع متساوية، وهذا مسلَّم به عند أخص مشايخ الأزهر» (تراجع الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، تحقيق الدكتور محمد عمارة). لقد حرص الإمام على «الطبيعة المدنية للسلطة السياسية».. حيث رفض أن يكون نصيرا لقيام سلطة دينية فى المجتمع بأى وجه من الوجوه وفى هذا المقام كان يقول: * «إنه ليس فى الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة.. وإن أصلًا من أصول الإسلام قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها.. وإن الحاكم مدنى من جميع الوجوه..»، وبالتالى كل الأشكال والآليات السياسية القائمة. وهنا نجد حزب الوسط الجديد يشدد على ما يلى: الشعب مصدر السلطات.. المواطنة أساس العلاقة بين أفراد الشعب المصرى، فلا يجوز التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو المكانة أو الثروة فى جميع الحقوق والالتزامات.. والكل من حقه تولى المناصب والولايات العامة بما فى ذلك منصب رئاسة الجمهورية.. المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى الأهلية السياسية، والقانونية، فالمعيار الوحيد لتولى المناصب والولايات العامة مثل القضاء ورئاسة الدولة هو الكفاءة والأهلية والقدرة على القيام بمسؤوليات المنصب. (3) من جانب آخر، حرص برنامج الحزب على أن يؤكد دور التعليم فى غرس قيم المواطنة لدى النشء، بما تعنيه من المساواة وتكافؤ الفرص بين كل أبناء الوطن، فضلًا عن حقهم المشروع فى المشاركة الفعالة فى إدارة شؤونه وإعادة اندماج المواطنين فى المجال العام/ السياسى باعتباره المكان الطبيعى للقاء المختلفين وليس الانكفاء/ العزلة.. وذلك فى إطار سياسة متكاملة للتربية المدنية. يؤكد هذا النص الوعى بزمنية المجال العام.. حيث إن المجال العام وحده هو الكفيل بأن يوفر المجال الطبيعى للمختلفين كى يعملوا معًا من أجل الوطن الذى يضمهم.. إنه مجال لقاء المصريين من دون تمييز، حيث يتسم بأنه زمنى/ نسبى/ مدنى السمات، ولا يمكن وصفه بأنه «ثيوكراتيك» (أى دينى) بحسب الإمام محمد عبده. صفوة القول استقبل المصريون القرن العشرين بغير خصومة بين المقدس والزمنى، والدينى والمدنى.. ولكن لأسباب معقدة ذهبنا فى مسار آخر.. ها هو برنامج حزب الوسط بشكل حاسم يواصل المسار الطبيعى للخبرة المصرية.. كل التوفيق للحزب وللأصدقاء الأعزاء القائمين عليه.. وتقديرى لصبرهم العظيم الذى أتمنى أن يكلل بإشهار حزبهم.