«أفتقد كلماته بشدة، وأحن إلى أرائه كلما شغلت قضية ما الرأى العام، إذا دققنا النظر سنجد أن مقالاته لاتزال صالحة إلى الآن».. بتلك الكلمات بدأ الإعلامى وائل الإبراشى حديثه عن الراحل مجدى مهنا مضيفاً: منذ غياب «مهنا» لم يظهر كاتب مقال بحجمه وقيمته، كان قادرا على التعبير عن قضية فى جمل قصيرة، يمكن لكاتب غيره التعبير عنها فى صفحة كاملة، لذا كان وسيظل ملك المقال السياسى عن جدارة، ويستطرد الإبراشى: «مهنا لم يكن مجرد صديق لى، كنت أعتبره بوصلة ضميرى، وعندما أحتار فى قضية مما وطريقة عرضها على الرأى العام ومدى التزامى بالقواعد المهنية والأخلاقية، كنت أتصل به على الفور فى وقت متأخر من الليل وأطلب منه أن يساعدنى فى اتخاذ الرأى الصواب، ولا أزل أتذكر إلى الآن وقت أن حصلت على صورة لبعض أعضاء الحزب الوطنى فى مأدبة الإفطار التى أقامها البابا فى رمضان وكان يتقدم الأعضاء صفوت الشريف، الأمين العام للحزب الوطنى، وجمال مبارك، أمين السياسات، وأثناء جلوسهم التقط لهما المصور صورة بديا فيها وكأنهما يركعان أمام البابا، وقررت أن أضعها فى الصفحة الأولى فى جريدة صوت الأمة، فاتصلت ب «مهنا» الساعة الثالثة صباحا، وعرضت عليه الأمر، فنصحنى بألا أفعل ولا يجب أن تسقط فى مثل هذا الفخ «اللامهنى»، وبالفعل تراجعت عن قرارى، ومنذ ذلك الوقت وأنا أتعامل مع الصور بحذر شديد، كما علمنى أيضا.. عدم استخدام أسلحة كاذبة فى حالة وجود خلاف سياسى بينى وبين أحد المسؤولين، ويضيف الإبراشى: حتى فى أسلوب تعامله مع المرض تعلمت منه أمرين فى غاية الأهمية، أولهما كيف تبدع وأنت فى حالة ألم، كان مهنا ينزف دما من فمه، فيمسحه بالمنديل ويضعه فى جيبه دون أن يشعر به أحد، وكنت أعتقد وقتها أنه يجب أن أكون فى حالة راحة كى أستطيع أن أكتب، ولكن فارس الصحافة علمنى كيف أطوع ألمى فى كتاباتى، والأمر الثانى هو التضحية من أجل الغير، كان يخفى على الجميع أمر مرضه، ويقف بجانب كل من يأتى إليه شاكيا دون أن يترك آلامه تعوقه، يصمت الإبراشى قليلا ثم يعود ليقول «أفتقده كثيرا فى الأزمة الأخيرة التى حدثت بين مصر والجزائر، كان يرى دائما ضرورة ألا ننساق وراء الرأى العام، واصفا إياه بالعاطفى أغلب الوقت، كان يمكن ل(مهنا) أن يكبح جموح وانحراف الإعلام، وأخيرا يلقى الإبراشى الضوء على أكثر الأشياء التى كان يدعو إليها مهنا قائلا «كان يردد دائما أن الله أعطانا النجاح والعلاقات بالمسؤولين كى نسخرهما لمصالح الناس لذا يجب أن نضع هذا فى المقام الأول دائما». أما الكاتب أسامة هيكل فيقول: صورته تقفز إلى ذهنى دائماً كلما شعرت بالضيق وبالحاجة إلى صديق مخلص وفى، فقد كان شخصا نقيا لا يحمل ضغينة فى صدره لأى شخص حتى لو اختلف معه، ولم أسمع عنه شيئا يدينه أو يمسه من قريب أو بعيد طوال فترة معرفتى به منذ عام 1988 وحتى وفاته، كنت قريبا منه منذ عمله رئيساً لتحرير جريدة الوفد، وأنا رئيس للديسك فى الجريدة، وفى اختلافه كان هادئا دائما، حتى يوم أن وصله خبر استبعاده من رئاسة تحرير الوفد بقرار من نعمان جمعة، تحدثت إليه فوجدته سعيداً وقال لى وقتها: «الآن تحررت من الأعباء الإدارية واستطيع أن أتفرغ للكتابة»، يضيف هيكل: أكبر خلاف حدث بيننا كان يوم 11 سبتمبر 2001، عندما جاءنا خبر اصطدام إحدى الطائرات ببرج التجارة العالمى، وكان يريد أن نكتب الخبر بسرعة، ولكنى رأيت أن ننتظر قليلا فربما تأتى تطورات للحدث، واختلفنا حول هذا الأمر، وفوجئنا بخبر عن اصطدام الطائرة الثانية، فابتسم لى قائلا «كان معاك حق». ويعترف أسامة بأن أكثر ما كان يحيره فى شخصية مجدى مهنا هو قدرته على إخفاء آلامه وأحزانه الشخصية عن أقرب الناس إليه، فى الوقت الذى يبدى فيه استعداده لسماع مشاكلنا وآلام الغير.. يقول: «كنت أتصل به فى أى وقت وأشكو له مما يضايقنى، فلا يتركنى إلا بعد أن يتأكد من أننى أصبحت على ما يرام. قصة إخفاء الراحل مجدى مهنا أمر مرضه لا يتذكرها أصدقاؤه فقط، المفاجأة أن أخاه أكد نفس القصة، وأكد عدم علمه بأمر مرض الراحل إلا بعد سنوات من إصابته، يقول عادل مهنا: «ألمه الشخصى والصحفى كان له وحده، لا يحب أن يشاركه أحد، وعلى الرغم من مشاغله الكثيرة إلا أنه كان عطوفاً وباراً بأهله، ولم يضايق أحدا منا يوما، وأتذكر جيدا طفولته، وقت أن كنت أذهب للعب الكرة، بينما يفضل هو الذهاب إلى إحدى المكتبات العامة لقراءة الكتب، وأتذكر أيضا أننى عندما كنت أتذمر وأطلب زيادة فى مصروفى، كان يعطينى من نصيبه بالرغم من أننى أكبره بعامين، يقول عادل مهنا: كنت أركب معه فى سيارته، ونسى أن يربط حزام مقعده، فاستوقفه أحد عساكر المرور وطلب منه رخصته، وطالبه بدفع الغرامة الفورية، وفعل مجدى فقلت له: كان بإمكانك أن تطلب أى مسؤول من تليفونك وتطلب منه أن يحل الموقف، فأجابنى بجملة ما زلت أتذكرها إلى الآن «أنا أخطأت ويجب أن أتحمل ثمن خطئى، وإذا كنت سأطلب من المسؤول أن يتحمل ثمن خطئى فكيف أحاسبه بقلمى على أخطائه»، وأنهى عادل حديثه قائلا: «عامان مرا على رحيله، ولكنى ما زلت أشعر به بجانبى فى كل أزماتى، أفتقده بحق، ولكن حب الناس له يواسينى».