لم تبدأ علاقة الدكتور طارق حلمى بجراحة القلب كما قد يظن البعض عقب التحاقه بكلية الطب، ولكنها بدأت منذ كان طفلاً فى الثامنة من عمره، يقرأ مثل ملايين البشر عن أول عملية زراعة قلب يقوم بها طبيب فى جنوب أفريقيا عام 1968. يومها لم يقرر أن يكون طبيباً أو جراح قلب وحسب، ولكنه أصر أن يكون أول جراح مصرى يجرى عملية زراعة قلب. وعلى الرغم من عدم تحقق تلك الرغبة حتى اليوم، وانتظاره إقرار قانون زراعة الأعضاء من قبل مجلس الشعب. إلا أن دكتور طارق حلمى جراح القلب الشهير، نجح أن يكون مع فريقه، واحداً من بين 12 فريقاً على مستوى العالم، تخصصوا فى جراحات القلب النابض، وتعنى ببساطة تغيير الشرايين، بينما يكون القلب نابضاً دون أن يحوله على ماكينة القلب الصناعى، ويتجاوز عدد ما أجراه من عمليات 3000 عملية جراحية، بلغت نسبة الشفاء فيها 99 %. رغم سنوات عمره التى لم تتعد التاسعة والأربعين. ■ من أين نبدأ.. من أحلام الطفولة، أم طموحات ما بعد التخرج؟ - فى اعتقادى أن كليهما واحد، أنتمى لعائلة كان الأب فيها جراح مسالك بولية، بينما الأم طبيبة نساء وتوليد، ولذا فمن الطبيعى أن أعمل فى مهنة الطب، ولكن أنا لست طبيباً ابن طبيب لأننى حلمت أن أكون جراح قلب، وزارعا له أيضاً، منذ أن كان عمرى 8 سنوات بعد الإعلان عن نجاح أول عملية زراعة قلب، فى جنوب أفريقيا. بعد التخرج فى العام 1983، تخصصت فى الجراحة العامة التى جاءت رسالة الماجستير فيها عام 1988. وقتها كنت متخصصاً فى جراحات قلب الأطفال، حتى جاءتنى فرصة للسفر فى بعثة لليابان عام 1989 حيث تدربت على جراحات قلب الأطفال لمدة عام كامل على يد أشهر طبيب فى العالم فى هذا المجال وهو دكتور «إيماى». وفى نهاية العام وقبل سفرى بساعات قال لى إننى أمتلك أصابع جراح متميز، ولكنه أقنعنى بتغيير تخصصى لجراحة قلب الأطفال، وهو ما حدث لغياب الفريق المتخصص فى هذا المجال فى مصر. وعدت إلى مصر وحصلت على دكتوراه فى جراحة القلب فى العام 1992، وفى العام 1993، جاءتنى بعثة للدراسة فى إيطاليا تدربت فيها مع دكتور «فريجيولا» وهو أحد أشهر جراحى القلب فى العالم. تعلمت الكثير، وسمعت خلال تلك الفترة عن تكنيك جراحة القلب النابض التى كان قد بدأها الجراح الإيطالى الشهير «كاليفيورى» عام 1994، زرته لمدة أسبوع فى المستشفى التى يعمل بها، وحضرت إحدى عمليات القلب النابض التى كان يجريها. ولكننى لم أجازف ببدء تلك العمليات فى مصر عقب عودتى عام 1995. ولكننى بدأتها فى العام 1996 واقتصر إجراؤها فى البداية ولمدة عامين على المرضى المصابين بانسداد فى شريان واحد، وفى العام 1998 بدأنا نجريها على شريانين، واستمر ذلك لمدة عامين آخرين، حتى كان مطلع العام 2000 حينما بدأنا فى إجراء العملية لأى عدد من الشرايين المصابة. وأذكر أن العام 1997 كان عاماً فاصلاً بالنسبة لى فى إجراء تلك العمليات، حينما أجريت عملية لرجل مسن كان يبلغ 77 عاماً بطريقة القلب النابض، وفى ذات اليوم أجريت جراحة فى القلب لشاب يبلغ 46 سنة، ولكن بطريقة القلب الصناعى، وفى اليوم التالى ذهبت لمتابعة حالتيهما فى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، فوجدت الرجل المسن يجلس ويقرأ الجريدة بجوار فراشه فى العناية المركزة، بينما الشاب الآخر تبدو عليه علامات الإجهاد الشديد. ■ ماذا عن تكنيك جراحات القلب النابض؟ - المشكلة دائما فى عمليات القلب فى الشرايين الخلفية، التى تحتاج لرفع القلب، نقوم بفتح الغشاء التمورى، ونرفع القلب و نثبت الجزء المصاب فيه بمثبتات تشبه الأخطبوط، وفى دقائق أكون قد أوصلت للقلب شرايين جديدة من اليد أو الصدر أو الساق، وهى عملية دقيقة تحتاج لتركيز عال جداً حيث يتحتم على توصيل شريان قطره مللى ونصف أو 2 مللى فى شريان آخر بنفس القطر. وأهم ما فى تلك الجراحة هو دور فريق التخدير، الذى يرأسه فى فريقنا الدكتور أحمد شوقى ويضم 7 أطباء تخدير، كما يضم 10 جراحين، هذا غير فريق التمريض المدرب على أعلى مستوى، ولذا فلا يوجد لدينا أى مفاجآت فيما نقوم به من جراحات. كل واحد يعرف ما يجب عليه القيام به. منذ نحو الشهر كنا فى المملكة العربية السعودية، لتدريب أطباء هناك على تلك النوعية من الجراحات، ودهشوا من نظام العمل الذى نؤديه فى صمت من دون أى كلمة حتى لو توقف القلب عن العمل، لأن كل الخطوات لأى حالة باتت معروفة للجميع. وفى اعتقادى أن نجاح أى فريق جراحى للقلب،يعتمد على التوافق الذى يجمع الفريق. ■ كم عدد العمليات التى تجرونها فى اليوم الواحد؟ - نحو 7 أو 8 عمليات فى كل يوم. ونقسم الفريق كله إلى ثلاثة فرق، نجرى ثلاث جراحات فى نفس التوقيت، فريق التخدير الذى يبدأ بإعداد المريض، ثم فريق ثان يفتح الصدر ويجهز الشرايين والأوردة، ثم يأتى دورى أنا حيث لا أحد غيرى يلمس القلب، أدخل وأبدأ فى رفع القلب وبسرعة شديدة وبتركيز أشد تبدأ عملية توصيل الشرايين، حيث يستغرق دورى نحو الساعة. وكلما انتهى فريق من مهمته، ينتقل للمريض التالى وهكذا. ■ هل تشعر بالخوف وأنت تمسك بقلب إنسان؟ - لا أشعر بالخوف على الإطلاق، ولا أفكر فيه لأن يدى التى تعمل فى قلب أى مريض بحاجة لكل لحظة تركيز، والأهم أننى إنسان هادئ جداً من المستحيل أن يخرجنى شيء أو موقف أو إنسان عن هدوئى وهو أمر ورثته عن والدى. وفى اللحظة التى أقف فيها أمام أى مريض فى حجرة العمليات، أكون أنا والقلب وربنا وأنقطع عن العالم تماماً. ■ إلى أى مدى وصل نجاحنا فى عمليات القلب النابض؟ - 99% مما نجريه من عمليات بطريقة القلب النابض ناجحة، مهما كانت درجة انسداد الشرايين، كما أننا أجرينا جراحات لم تجر فى الخارج، مثل تصغير البطين، حيث يكون لدى بعض المرضى تمدد فى عضلة القلب، ونحتاج لتصغير البطين ونسبة نجاح هذه العملية 98 %. كما أجرينا جراحة لطفلة عمرها 7 سنوات، وهو أمر بالغ الصعوبة ولم يحدث على مستوى العالم من قبل، لصغر قطر الشرايين والأوردة. والحمد لله لا تزال الفتاه بخير وبصحة جيدة. لم يعد كثيرون يسافرون للخارج لإجراء عمليات القلب. منذ نحو أسبوعين أجرينا جراحة لمليونير إنجليزى، كان على يخته فى الغردقة وأصيب بآلام شديدة نقل على إثرها للمستشفى هناك، وتبين حاجته لجراحة عاجلة فى القلب، وخيرته السفارة بين السفر فى طائرة مجهزة وإجرائها فى بريطانيا، وبين إجرائها لدينا، وقرر أن يجريها من خلالنا، والحمد لله نجحت العملية وشفى تماما. ■ هل يعنى نجاح عمليات القلب النابض إمكانية التخلى عن جراحات القلب الصناعى؟ - بالطبع لا لأننا لا نمتلك إمكانيات لكل المرضى، وبخاصة فى ظل تزايد أعداد مرضى القلب فى مصر حتى من بين صغار السن من الشباب، فى نفس الوقت ليس لدينا جراحون مؤهلون بأعداد كافية، رغم قيامنا بتدريب عدد من الجراحين وهناك حالات تكون نتائجها مساوية لتكنيك القلب النابض، ولكن يفضل فى الحالات الحرجة وكبار السن إجراء تكنيك القلب النابض. ■ بماذا تحلم فى المستقبل؟ - أحلم بأن أقوم بإجراء جراحة زرع قلب فى مصر وبخاصة أنها من العمليات السهلة التى باتت تجرى فى كل دول العالم، وأنتظر فقط موافقة مجلس الشعب على قانون نقل الأعضاء.