كنت كلما قرأت هذا التعبير الذى تردد فى القرآن على ألسنة المخالفين أتوقف وأتأمل، وينتهى بى التفكير فى هذه الكلمة إلى أنها تنم عن أن السلامة الموضوعية والمنطق الجلى لا يكفيان لهداية بعض الناس لارتفاق عدد كبير من العوامل على نفوسهم جعلهم يقفون هذا الموقف «سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا»، مع أن الإسلام إنما يريد إنقاذهم من الظلمات إلى النور، وتحريرهم من الإصر والأغلال. من هذه العوامل أن عوامل البيئة وآثار الوراثة وقوة التقاليد طمست أثر كل دعوة فى نفوسهم، فلم يعودوا يرون شيئاً آخر سواها، ومن الطبيعى أن يقفوا موقف المعارضة للإسلام. ومن هذه العوامل أن هؤلاء يكونون من أكابر القوم وشيوخ قبائلهم، وأنهم آنسوا فى هذه الدعوة الجديدة التى قدمها الأنبياء ما يمس وضعهم، وما يقضى على امتيازهم، وما يجعل الصدارة لهذا الدين، ومن هنا فإنهم يحاربون بكل عنف وبلا هوادة، وما مثلهم إلا مثل قادة قريش الذين أصروا على حرب بدر، ولم تثنهم هزيمتهم من أن يعودوا فى معركة أحد، وأن يواصلوا الدعوة حتى النفس الأخير. وقد وجه الله رسوله إلى أن هناك نفوسًا لا يمكن أن تؤمن وقال له: «لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ»، وأنه مهما كان حقه، ومهما كانت رغبته، فليس شرطاً أن ينتهى هذا إلى إيمان من حقت عليه الضلالة وهيمنت عليه مصلحته وأوضاعه الطبقية، ونبه الرسول ألا يأسى إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً، وقال له «إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ»، وأن هناك من أطبقت عليه الضلالة بحيث يتمرد على كل موضوعية وكل حق، ولا يملك إلا أن يقول «سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا»، ونبه القرآن الرسول إلى أن ينفض من هؤلاء اليدين، وأن يدع أمرهم لله تعالى يوم القيامة. وهذا ما يجب أن يتنبه إليه المجددون، إن رفض بعض الناس يجب ألا يثبطهم أو يثير فى نفوسهم الأسى أو يجعلهم يظنون بدعوتهم الظنون، لأن الظروف الطبقية جعلت هؤلاء فى مربع الرفض، فلا يستطيعون منه خلاصًا، ويمكن أن يتبين أن شدة المقاومة لا تعود إلى خطأ أو نقص الدين، وإنما من شدة الحنق به والضيق عليه، ومن شدة الحرص على أوضاعهم المميزة، وهو دليل على صحة الإسلام، وفى مواجهة هؤلاء الذين يقولون «سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا» يأتى أضعافهم من المؤمنين الذين يقولون «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا».