فى مقدمة المسائل الجنسية المحظورة فى مصر، تأتى بلا شك مسألة المواليد ذوى الهوية الجنسية غير المحددة inter-sex، وفى الوقت الذى يتبنى فيه الجراحون والأطباء المحترفون موقفاً حيادياً تجاه الحل الجراحى لتلك المشكلة، تتعرض أسر هؤلاء المواليد لتحد يتمثل فى العوامل الثقافية والاجتماعية. فى أسيوط، كبرى محافظات صعيد مصر، التى تعد ثقافتها من أكثر الثقافات المحافظة فى البلاد، يؤدى زواج الأقارب ونقص الوعى لدى الحوامل إلى ظهور عدد هائل من المواليد «بينيى الجنس» مقارنة بغيرها من المدن، ولا تعلن وزارة الصحة عن الرقم المحدد لهذه الحالات، كما أن المتأثرين بتلك التشوهات لا يعلنون عن أنفسهم، مما يجعل من الصعب تحديد مدى ضخامة المشكلة. يقول مسؤول كبير بمديرية الصحة بأسيوط: «فى مناطق الصعيد، تنكر الأسر معاناة أطفالهم من تلك المشكلة، حيث يعتبرونها أمراً مخجلاً، إنهم يخشون أن يصير أبناؤهم شواذاً من منظور إنسانى وطبى، لا يعدو هؤلاء كونهم مرضى، ولكن للأسف لا يقبل المجتمع بتلك النظرة». بعض الحالات بدأت فى الإعلان عن نفسها بالرغم من ذلك، فمنذ عام 2000 أجرى الأطباء فى أسيوط أكثر من 25 جراحة لتحديد الجنس، فيما كانت العادة فى السابق هى إرسال المصابين بالتشوهات إلى القاهرة للعلاج. يجلس الدكتور مصطفى السنباطى، رئيس قسم جراحات التجميل فى جامعة أسيوط، فى عيادته الخاصة «ذكر أم أنثى؟»، سألنا الجراح الذى أجرى 15 عملية لتحديد الجنس فى المدينة منذ عام 2000، مغطياً بيده أحد جانبى ألبومه السميك لصور مرضاه السابقين، فيما ظهرت على الصفحة المقابلة صورة لفرد عار، تعذرت علينا إجابة السؤال، فأسرع إلى مساعدتنا بأن أزاح يده عن الصفحة المقابلة قبل أن يشرح لنا فى حماس: «أترون؟ هذا العضو الذكرى لم يكن قد تطور بشكل كامل أثناء مرحلة الجنين»، مشيراً إلى ما يبدو وكأنه قضيب صغير.. ثم يتجه إلى منطقة الحوض فى صورة المريض ويتابع: «هل ترون هاتين المنطقتين المتورمتين، إنهما الخصيتان وقد نمتا إلى الداخل، هذا ما يطلق عليه المولود شبه المخنث pseudo-hermaphrodite». ولكن مصطلح المولود المخنث hermaphrodite (أى الذى يجمع جسده ما بين مظاهر أو أعضاء الأنوثة والذكورة) يختلف عن الآخر «مضطرب الهوية الجنسية» trans-gender أو transsexual أو ما يعرف بالجنس الثالث، وهم الأفراد الذين يملكون المقومات الجسدية الكاملة المحددة لجنسهم، إلا أنهم يشعرون بميل إلى الجنس الآخر، وقد يرغبون فى التحول إليه، مما يعنى أن مشكلة المخنثين hermaphrodite فسيولوجية فى المقام الأول. ويعتمد الأطباء المحترفون فى إجراء عملية تحديد الجنس للمواليد الhermaphrodite، وهى الحالة النادرة للغاية، على اختبار الكروموسومات وقياس نسبتها إلى جانب مؤشرات النوع الأخرى، وعادة ما يحددون جنس المريض بحسب الكروموسومات الغالبة، ولم يصادف الدكتور السنباطى فى حياته العملية الممتدة لخمسة عشر عاماً سوى حالة واحدة من تلك الحالات. وتشيع بشكل أكبر إلى حد ما حالات شبه المخنثين pseudo-hermaphrodite من الإناث والذكور، فمثل تلك الحالات يظهر فيها للمرضى أعضاء تناسلية «غامضة» وغير محددة الهوية، وقد تشمل الحالة سلسلة من الأعراض، منها الأعضاء المشوهة أو غير مكتملة النمو، ذلك الطابع غير الاعتيادى للأطفال بينيى الجنس قد يمثل أمراً مركباً بالنسبة للأطباء والقابلات (الدايات)، فيتم اعتبار الطفل ذكراً فى حين أنه أنثى والعكس، فيما يكشف السنباطى أن 57٪ من حالات الأطفال بينيى الجنس تحدث لأسباب جينية، و16٪ لأسباب مرضية، و27٪ لأسباب مجهولة. ويرى الدكتور عبدالمنعم الحجاجى، خبير أمراض المسالك البولية، أحد أكبر جراحى تحديد الجنس فى أسيوط، أن البينية الجنسية هى نوع من أنواع الخلل فى الكروموسومات، والذى يتسبب فى حالات أخرى مثل متلازمة داون والشفاه الأرنبية، ويضيف أن أسباباً عديدة تقف وراء تلك الظواهر، إلا أن أبرزها هو زواج الأقارب، ويتابع: «جميع حالات المواليد بينيى الجنس التى صادفتها هى لأقارب من الدرجة الثالثة، ولكن الأسباب الأخرى مطروحة كذلك». ونظراً لمعدل الخصوبة المرتفع فى مصر، فإن السيدات لا يدركن غالباً كونهن فى مرحلة الحمل، بينما يخفق الأطباء فى سؤال مريضاتهم عما إذا كن حوامل قبل أن يصفوا لهن أدوية ضارة أو يخضعوهن للأشعة، كما أن الصيادلة يقعون فى نفس الخطأ قبل صرف الأدوية للمرضى، المعروف أن تعريض الجنين لأشعة أو أدوية مضرة به، مثل المضادات الحيوية، خصوصاً فى الأسابيع الثمانية الأولى من الولادة، قد يسبب الضرر لعملية النمو، فى المناطق الأخري من العالم، يتم الكشف عن حالات الأطفال المخنثين، ويجرى العمل على علاجها فى العامين الأولين من حياة المولود، أما فى صعيد مصر، فثمة تكتم على تلك الحالات غالباً، بحسب الدكتور عبدالمنعم الحجاجى. ومع وصول بينيى الجنس إلى مرحلة البلوغ، يبدأون فى إظهار ميلهم إلى الانتماء للجنس الآخر. يقول طارق الجمال، مدير وحدة الجراحات المجهرية والتقويمية، الذى يعمل عن قرب مع الحجاجى: «حينما يكبر الذكر بينى الجنس فى العمر وتبدأ علامات الذكورة فى الظهور عليه، كشعر الوجه والبنيان الجسدى الرجولى، تدرك العائلة خطأها، ولكن الأمر الذى يضاعف من معضلة هؤلاء المرضى الذكور ذوى الأعضاء المشوهة هو تفشى ظاهرة ختان الإناث فى مصر، وبالتحديد فى المناطق الريفية من الصعيد، فيقوم الناس بختان ذلك الوليد بإزالة العضو الذكرى المطمور عن طريق الخطأ ظناً منهم أنه عضو أنثوى زائد الحجم. أما الأمر الأكثر تعقيداً فهو الجراحة الهادفة لاستعادة العضو المفقود، حيث تمتد لاثنتى عشرة ساعة، وتتطلب وجود طبيب جهاز تناسلى، وجراح مجهرى، وطبيب تخدير، وتعتمد تلك العملية علي جلب أنسجة جلدية من جسد المريض كمحاولة لإعادة العضو الذكرى وربطه بالأعصاب والأوردة، فيما تمتد عملية التعافى بعد العملية لأربعة أو خمسة أيام يقضيها المريض فى غرفة العناية المركزة، حيث يخضع لعملية «تذكير» تشمل قص شعره وتغيير ملابسه. «إنهم يشعرون بسعادة بالغة بعد العملية وراحة لانقضاء مشاكلهم» هكذا يقول الجمال. ولكن بالرغم من النتائج الإيجابية لعملية التعافى، يشير الأطباء فى أسيوط الذين أجرينا معهم الحوارات إلى أن العديد من المصابين يمتنعون عن التقدم للعلاج، حيث يشعرون بالحرج من حالتهم وما يرتبط بها من عوامل اجتماعية وشعور بالخزى. تلك هى المشكلة التى تواجه المصابات من الإناث تحديداً، اللاتى يتم اكتشاف حالاتهن عند وصولهن لمرحلة البلوغ ونزول دم الحيض، هذه الحالات تعد أكثر شيوعاً من الذكور، ويسهل علاجها بإجراء جراحة بسيطة لإعادة العضو الأنثوى إلى حجمه الطبيعى، وبالرغم من ذلك، لا يتقدم منهن سوى القليل للعلاج. ويشير الحجاجى إلى أن واحدة من تلك الحالات التى واجهها لم توافق على إجراء العملية يقول: «تمتلك المصابة مظهر امرأة كاملة النمو، وكروموسومات أنثوية، باستثناء عضوها الذى يكون زائداً على الحجم الطبيعى، العائلات ترفض مثل تلك العمليات وتطلب حلولاً مؤقتة بدلاً من ذلك، إلا أنهم يغيرون موقفهم فيما بعد حين يشاهدون التغيرات الجذرية التى تحدث لطفلتهم». فى المقابل، يكشف الجراحون عن سعادة الأهالى فى معظم الحالات بتحول بناتهم إلى ذكور فى يوم وليلة، فيقول السنباطى: «أحد الآباء بلغت به السعادة أن ظل يقبلنى حتى كادت وجنتاى تسقطان من فرط التقبيل». وفيما ينظر الأطباء إلى بينيى الجنس inter-sexual كحالة صحية خطيرة تستدعى الجراحة، لا يتم التعامل مع المتخنثين والراغبين فى تغيير جنسهم transgenders بنفس الليونة، وبالرغم من أن القانون المصرى يتيح مثل تلك العمليات، فإن الأطباء الذين يشرفون عليها يجابهون توبيخاً حاداً على المستويين الدينى والاجتماعى بل إن نقابة الأطباء قد منعت عمليات تحديد الجنس كلية. ولا يزال الأطباء يذكرون قصة «سيد» الذى خضع لتلك العملية فى الثمانينيات ليتحول إلى «سالى»، فيما يبلغ أطباء أسيوط عن تلقي كل منهم طلباً واحداً على الأقل لتغيير الجنس، ولكنهم يحيلون المتقدم إلى الطبيب النفسى فى حالة عدم العثور على خلل هرمونى لديه. يقول السنباطى: «كيف أشترك فى هذا الجرم؟ إن تغيير الجنس لشخص لمجرد أهوائه النفسية دون أن يعانى من خلل كروموسومى لهو ذنب كبير، إنه بمثابة تغيير لخلق الله». التقرير مترجم من الطبعة الإنجليزية ل«المصرى اليوم» www.almasryalyoum.com/en http://www.almasryalyoum.com/en/node/49060