لم يأت بلوغ إسبانيا للمباراة النهائية لمونديال جنوب أفريقيا 2010 لأول مرة فى تاريخها اعتباطا أو ضربة حظ بل هو نتاج سياسة طويلة ارتكزت منذ انطلاقها منذ نحو 15 عاما على الاهتمام بقطاع الناشئين . وساهم فى نجاح هذه السياسة انصهار لاعبى برشلونة وريال مدريد أكبر ناديين فى إسبانيا وأوروبا فى بوتقة واحدة صبت فى مصلحة المنتخب الوطنى الإسبانى بعد أن حقق نجوم الفريقين لإسبانيا العديد من بطولات الناشئين على المستويين العالمى والأوروبى إضافة إلى نجاحهما فى فرض هيمنة الماتادور شبه الكامل على البطولات الأوروبية للأندية. فإذا ألقينا نظرة سريعة على بطولات الناشئين التى جرت على المستويين العالمى والأوروبى منذ عام 1999 سنجد أن إسبانيا أستحوذت على نصيب الأسد من هذه البطولات فهى بطلة العالم للشباب تحت 16 سنة عام 1999 ووصيف بطل دورة الألعاب الأوليمبية عام 2000 وبطلة أوروبا للشباب تحت 16 سنة عام 2001 وبطلة أوروبا للشباب تحت 19 سنة عام 2002 وثانى بطل العالم للشباب تحت 20 سنة عام 2003 وبطلة أوروبا للشباب تحت 19 سنة عام 2004 . وتطول هيمنة إسبانيا على بطولات الناشئين فى العالم وأوروبا لتشمل الفوز ببطولة أوروبا للشباب تحت 19 سنة عام 2006 وبطولة أوروبا أيضا للشباب تحت 19 سنة عام 2007 وبطولة أوروبا للشباب تحت 17 سنة عام 2008، وبذلك تكون إسبانيا قد حققت 10 بطولات للناشئين خلال 12 عاما وهو عدد كبير من البطولات لابد أن ينعكس بالإيجاب على مستوى الفريق الأول. أما الشىء الأكثر إيجابية فهو مساهمة عدد كبير من لاعبى منتخب إسبانيا المشارك حاليا فى مونديال 2010 (23 لاعبا) فى تحقيق هذا القدر الهائل من بطولات الناشئين على المستويين الأوروبى والعالمى. ويأتى على رأس اللاعبين الذين ساهموا فى تحقيق هذه البطولات الشبابية: كاسياس ومارشينا وجزافى وكابدفيلا وبويول وأنيستا وتوريس وراموس والبيول وسيلفا وفابرجاس وماتا وبيكيه وخافى مارتينيز. ويؤكد سيرجيو راموس مدافع ريال مدريد أن سياسة الاهتمام بالناشئين فى إسبانيا قامت منذ تدشينها منذ نحو 15 عاما على توحيد طرق اللعب فى جميع بطولات الناشئين. ويضيف راموس فى تصريح لصحيفة “ ليكيب “الفرنسية عندما تتابع طريقة لعب منتخب إسبانيا للشباب تحت 16 سنة ستجد أنها تتطابق تماما مع طريقة لعب المنتخب القومى الأول، ويؤكد ذلك أيضا فانسينت ديل بوسكى المدير الفنى للمنتخب الإسبانى لافتا إلى أن جميع المنتخبات الإسبانية للناشئين تحت 15 سنة تلعب بنفس طريقة المنتخب الأول وهى طريقة 4 2 3 1 التى يتم أحيانا تعديلها إلى طريقة 4–3–3. ويؤكد ديل بوسكى فى هذا الصدد على الأهمية التى يوليها الاتحاد الإسبانى لكرة القدم للتنسيق بين المنتخب القومى والأندية لتوحيد طرق اللعب بدءاً من قطاعات الناشئين وحتى الفريق الأول، ويكشف ديل بوسكى على أن سياسة الاهتمام بالناشئين حرصت على تغطية جميع الأراضى الإسبانية، مشيرا إلى أن الاتحاد الإسبانى حرص على أن تمتلك كل مقاطعة من مقاطعات إسبانيا البالغ عددها 19 مقاطعة ثلاثة منتخبات للشباب تحت 14 و17 و18 عاما مؤكدا أن المديرين الفنيين الذين يتولون تدريب هذه المنتخبات الصغيرة يخضعون لرقابة اتحاد الكرة حتى يضمن توحيد طرق اللعب فى جميع مناطق إسبانيا. ولفت ديل بوسكى إلى أنه بفضل هذه السياسة أصبح من المستحيل ألا يتم رصد العناصر الشابة الواعدة القادرة على رفع علم إسبانيا عاليا بدءا من بطولات الناشئين وانتهاء بالبطولات التى يخوضها المنتخب الوطنى الأول، ويؤكد ديل بوسكى أن الاتحاد الإسبانى وضع 6 معايير يتم على أساسها اختيار العناصر الشابة الواعدة وهى: المهارة الفنية والسرعة البدنية وسرعة البديهة وشخصية اللاعب ومدى طموحه وأخيرا التوازن النفسى. ويؤكد ديل بوسكى أن جميع اللاعبين الثلاثة والعشرين المختارين فى قائمة المنتخب القومى الإسبانى الذى وصل إلى نهائى كأس العالم بعد فوزه أمس على ألمانيا 1 / صفر كانوا أعضاء بمنتخبات الناشئين المختلفة. ولفت ديل بوسكى إلى أن العمود الفقرى للمنتخب الأول قام على المنتخب الذى مثل إسبانيا فى مونديال 2006 مشيرا إلى أنه على الرغم من خروجه من هذا المونديال بالهزيمة من فرنسا 1/ 3 فى دور الثمانية إلا أنه حقق ما تم التخطيط له بعد ذلك وهو الفوز ببطولة الأمم الأوروبية لعام 2008. أما العنصر الأساسى الثانى الذى ساعد إسبانيا على الوصول إلى نهائى كأس العالم للمرة الأولى فى تاريخها فى إنجاز لم يستطع تحقيقه أى جيل من الأجيال الإسبانية بما فيها الجيل الذهبى بقيادة دى ستيفانو أحد أفضل اللاعبين فى تاريخ كرة القدم العالمية فهو انصهار لاعبى برشلونة وريال مدريد فى بوتقة المصلحة الوطنية رغم التنافس الشرس بين الفريقين على زعامة الكرة الإسبانية والأوروبية. وقد ساهم فى تبديد أى نزعة محلية ضيقة ربما تطغى على النزعة الوطنية حرص الاتحاد الإسبانى على توزيع ميزان القوة بين الفريقين داخل صفوف المنتخب القومى الإسبانى . فإذا كان عدد اللاعبين الذين ينتمون لبرشلونة «7 لاعبين» يزيد على عدد اللاعبين الذين ينتمون لريال مدريد «5 لاعبين» فى المنتخب الإسبانى فإن أختيار المدير الفنى للمنتخب من ريال مدريد «ديل بوسكى» ساهم فى تحقيق التوازن المطلوب بين الفريقين العملاقين. ويرى ديل بوسكى أن تزامل معظم لاعبى برشلونة وريال مدريد فى منتخبات الناشئين منذ نعومة أظافرهم خلق داخل لاعبى الفريقين قدرا كبيرا من الشعور الوطنى جعلهم قادرين على تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة المحلية عندما يتعلق الأمر باسم إسبانيا على المستوى الدولى. والمعروف أن برشلونة يساهم فى المنتخب الوطنى الحالى بكل من فيكتور فالديز وجيرارد بيكيه وسيرجيو بوسكيه وتشافى واندرياس انييستا وبيدرو وكارلوس بويول. وفى المقابل يضم المنتخب الإسبانى من ريال مدريد كلا من ايكر كاسياس وسيرجيو راموس والفارو اربيلووا وراؤول البيول وتشافى ألونسو، ويعد هؤلاء اللاعبون ال 12 بمثابة العمود الفقرى للمنتخب الإسبانى. ويرى سانتيانا « 58 عاما» مهاجم ريال مدريد المعتزل، أحد أهم اللاعبين فى تاريخ منتخب إسبانيا أن سبب الإنجاز الذى حققه المنتخب الإسبانى فى مونديال جنوب إفريقيا 2010 يعود إلى المحبة التى تربط لاعبى ريال مدريد وبرشلونة . وتساءل سانتيانا الذى مثل إسبانيا 58 مرة كيف لا يحب لاعبو الفريقين بعضهما وقد تزاملوا فى منتخبات الشباب منذ نعومة أظافرهم فكابتن المنتخب الإسبانى كاسياس «ريال مدريد» يلعب مع نائب الكابتن تشافى «برشلونة»على سبيل المثال لا الحصر منذ مونديال الشباب تحت 17 سنة لعام 1997. ويؤكد سانتيانا أن اللاعبين ارتبطوا منذ ذلك الحين بصداقة حميمية جعلتهم قادرين على التفريق بين مصلحة فريقيهم والمصلحة الوطنية. ويعترف فرانشيسكو بويو «52 عاما» الذى حرس مرمى إسبانيا خلال يورو 1984 بأن التنافس بين ريال مدريد وبرشلونة كان السبب الرئيسى فى عدم تحقيق إسبانيا فى السابق أى بطولات عالمية . وأضاف أن اللاعبين الإسبان كانوا فى السابق يذهبون إلى المنتخب لا لشىء إلا لأنه يمنحهم قدرا من النفوذ والوجاهة الاجتماعية، أما اليوم فقد اختلف الأمر فالمنتخب القومى أصبح يعنى بالنسبة للاعبى الفريقين الكبيرين القتال من أجل حصول إسبانيا على البطولات ورفع راية إسبانيا عاليا. وقد ساهم طغيان العنصر الوطنى فى الأندية الإسبانية على النجوم الأجنبية فى المساهمة فى رفع مستوى المنتخب الإسبانى، ولا يمنع ذلك أن لاعباً أجنبياً مثل الارجنتينى ليونيل ميسى والبرتغالى كريستيانو رونالدو، قد ساهما فى رفع مستوى الكرة الإسبانية. ويرى المدير الفنى لإسبانيا ديل بوسكى أن وسائل الإعلام الإسبانية لعبت من جانبها دورا مهما فى توعية اللاعبين بأهمية تغليب فانلة المنتخب الوطنى على فانلة الفريق المحلى وهو ما ساعد فيه أيضا سلوك الجماهير الإسبانية التى لم تعد تفرق بين لاعب ينتمى لريال مدريد وآخر ينتمى لبرشلونة أو لأتلتيكو مدريد أو لبلد الوليد. ويقول ديل بوسكى «فى السابق كان الاهتمام الأكبر للصحافة والجماهير ينصب على معرفة الأسباب التى أدت إلى اختيار لاعب من ريال مدريد واستبعاد آخر من برشلونة والعكس صحيح.. أما الآن وبالتحديد منذ الفوز بيورو 2008 فإن المهم أن تفوز إسبانيا بصرف النظر عما إذا كان اللاعب الذى يحقق الفوز من ريال مدريد أم من برشلونة». ولا أدل من الفرحة الغامرة التى ملأت قلوب جميع لاعبى إسبانيا أساسيين واحتياطيين بعد أن أحرز بويول مدافع برشلونة هدف الفوز فى مرمى ألمانيا بضربة رأس رائعة صعدت بإسبانيا للدور النهائى للمونديال لأول مرة فى تاريخها ومن أن إسبانيا أصبحت تسير فعلا على الطريق الصحيح طريق حصولها على أول بطولة مونديال فى تاريخها بفضل سياسة الاهتمام بالناشئين المصحوبة بسياسة ترسيخ الانتماء للوطن على حساب الانتماء للأندية.