اجتماعات سرّية في باكستان وتركيا بعد تحركات ترامب لتصنيف الإخوان إرهابيين    د. أسامة أبو زيد يكتب: الإرادة الشعبية.. «سي السيد»    الأمم المتحدة تتبنى قرارًا يطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان    ترامب يهدد بالهجوم على أي دولة تهرّب المخدرات لأمريكا.. والرئيس الكولومبي يرد    محافظ الدقهلية يعزي أسر ضحايا «سوث الخواجات» ويتفقد المصابين بالمستشفى | صور    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    متحدث الصحة: قوائم بالأدوية المحظورة للمسافرين وتحذيرات من مستحضرات خاضعة للرقابة الدولية    «الصحة» تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    نصر الله يحرز تقدما على عصفورة المدعوم من ترامب في انتخابات هندوراس الرئاسية    مدير نجدة الطفل: حوادث المدارس تكشف خللاً تربوياً وضرورة تشديد العقوبات لحماية الأطفال    محافظ الدقهلية يعزي أسر ضحايا حريق «سوق الخواجات» ويتفقد المصابين في المستشفى    زينة عن شخصيتها في "ورد وشوكولاتة": حبيتها لأنها غلبانة وهشة    فيدرا تدافع عن كلاب الشوارع: عندنا مشكلة إدارة وعندي 40 قطة و6 كلاب معيشاهم في بيتي    مصر توسّع حضورها في الأسواق الأفريقية عبر الطاقة الشمسية والتوطين الصناعي    سوريا تعلن إحباط محاولة تهريب ألغام إلى حزب الله في لبنان    إعلان طاقم حكام مباراة الجونة وبترول أسيوط في كأس مصر    «بإيدينا ننقذ حياة» مبادرة شبابية رياضية لحماية الرياضيين طبيًا    كأس العرب - سالم الدوسري: جئنا إلى قطر لتحقيق اللقب    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    مانشستر سيتي يهزم فولهام في مباراة مثيرة بتسعة أهداف بالدوري الإنجليزي    تقرير مبدئي: إهمال جسيم وغياب جهاز إنعاش القلب وراء وفاة السباح يوسف محمد    الخميس.. قرعة بطولة إفريقيا لسيدات السلة في مقر الأهلي    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الدولي للسلاح    التنمية المحلية ل ستوديو إكسترا: توجيهات رئاسية بتحقيق العدالة التنموية في الصعيد    بروتوكول تعاون بين نادي قضاه جنوب سيناء وجامعة القاهرة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    إصابة 9 أشخاص في حادث تصادم بالفيوم    إحالة أوراق المتهم بقتل زميله داخل ورشة لتصنيع الأثاث بأشمون للمفتى    هل سرعة 40 كم/ساعة مميتة؟ تحليل علمى فى ضوء حادثة الطفلة جنى    مقتل شخص أثناء محاولته فض مشاجرة بالعجمي في الإسكندرية    والد جنى ضحية مدرسة الشروق: ابنتي كانت من المتفوقين ونثق في القضاء    النيابة العامة تُنظم برنامجًا تدريبيًا حول الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي    قوات الاحتلال تعزز انتشارها وسط مدينة طولكرم    في ملتقى الاقصر الدولي للتصوير بدورته ال18.. الفن جسر للتقارب بين مصر وسنغافورة    وزير الثقافة: دورة منفتحة على الشباب والتكنولوجيا في معرض الكتاب 57    تحت شعار "متر × متر"، مكتبة الإسكندرية تفتح باب التقديم لمعرض أجندة 2026    مراوغات بصرية لمروان حامد.. حيلة ذكية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر (الست)؟    ليفركوزن يثأر من دورتموند بهدف مازة ويتأهل لربع نهائى كأس ألمانيا    يوفنتوس يتخطى أودينيزى بثنائية ويتأهل إلى ربع نهائى كأس إيطاليا    بورنموث ضد إيفرتون.. جريليش يمنح التوفيز فوزًا ثمينًا في البريميرليج    أخبار كفر الشيخ اليوم.. مبادرة الخير بدسوق تنظم حفلًا ترفيهيًا للطلاب الصم وضعاف السمع بمناسبة يوم التحدي    نقيب الإعلاميين يستعرض رؤية تحليلية ونقدية لرواية "السرشجي" بنقابة الصحفيين    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    رئيس شعبة الدواجن بالجيزة يحذر من الفراخ السردة: اعدموها فورا    أخبار مصر اليوم: إعلان مواعيد جولة الإعادة بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب.. تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني بالفيزا في المترو.. ورئيس الوزراء: لا تهاون مع البناء العشوائي في جزيرة الوراق    استمرار تعثر خطة الصين لبناء سفارة عملاقة في لندن    رئيس شئون البيئة ل الشروق: نسعى لاستقطاب أكبر حجم من التمويلات التنموية لدعم حماية السواحل وتحويل الموانئ إلى خضراء    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    بنك التعمير والإسكان يوقع مذكرة تفاهم مع مدرسة فرانكفورت    القطاع الخاص يعرض تجربته في تحقيق الاستدامة البيئية والحياد الكربوني    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    جامعة أسيوط تختتم ورشة العمل التدريبية "مكافحة العنف ضد المرأة" وتعلن توصياتها    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أطفال الشوارع».. أوليفر تويست المصرى

أن يتصدى شاعرٌ بقامة بهاء جاهين لكتابة نصِّ وأشعار مسرحية غنائية، فذاك يعنى أن الفكرة التى يدور حولها العمل لابد تحمل قيمة وجودية واجتماعية. وهو ما كان فى مسرحية «قطط الشارع» التى تُعرض الآن على مسرح البالون من إخراج عادل عبده، وبطولة سمير صبري، دوللى شاهين، جمال سليمان، وعدد من أطفال مصر الموهوبين الواعدين، ينتمون إلى الفرقة القومية.
 القصة مستوحاة من «أوليفر تويست» التى كتبها الإنجليزى تشارلز ديكنز عام 1838، وتحكى عن الطفل اليتيم ضئيل الجسم أوليفر الذى تتقلّب به التصاريف من ملجأ الأيتام إلى وكر المجرمين الصغار ليتعلّم سرقة الكتب، حتى ينتهى به الحال فى بيت الثرى سير براون، الذى يتبين أنه جد الطفل.
«قطط الشارع» تحكى عن مجموعة من أطفال مصر المحرومين من دفء المحبة، ما بين لقيط، ومشرّد، ويتيم، أو هارب من قسوة الأهل، يشبهون القطط الضالة التى تبحثُ فى ثنايا صناديق القمامة عن نفايات الناس، لتتعايش عليها. وفى البعيد، ثمة عينٌ كعين الحدأة ترقبهم، لتحدّد متى وأين وكيف، تنقضُّ عليهم بمخلبها النشط لتلتقطهم، ثم تودعهم مكانًا يطلقون عليه: «الورشة الأكاديمية الصباحية المسائية المشتركة». ورشة قطط الشوارع، حيث يتعلمون مبادئ النشل والشحاذة والنصب والاحتيال، وكل ما تجود به القريحة المريضة من ألوان السلوك المسيء للجنس البشري، المحطِّم فكرة الحياة كما رسمتها لنا السماءُ، حين قررت أن تُعمِّر الأرض ببنى آدم.
تلك العينُ المدرّبة هى عينُ «حافظ»/ سمير صبري، المُلقَّب ب«حِتّة». هو رئيس الورشة والأبُ الروحيّ لتلك القطط التعسة، (يقوم بدور فاجن فى رواية ديكنز). كل صباح، بعدما يُنهى تدريبه اليوميَّ للأطفال على أساليب السرقة المستحدثة، يتعهد أمام الله وأمام الوطن بميثاق المهنة: «ربنا يقدرنى وأطلّعهم أعظم (هبّيشة) فى مصر!» على أنه، للمفارقة الوجودية، ورغم قسوته الظاهرة، يحمل قلبًا يخاتله أحيانًا فيقطر حنوًّا على أولئك الصغار، بل وعلى ضحاياه المستلبين.
 فها هى حافظة نقود اقتنصها، تحمل روشتة مريض فقير، بدا أنه لم يجد ثمن الدواء، فيفكر «حافظ»/ اللص فى إرسال بعض المال للمريض المسروق، لكنه يُقابل باستهجان وسخرية شريكيه فى الورشة، حدّاية/ ممدوح درويش (الذى يقوم بدور بيل سايكس فى ديكنز)، وسمسمة/ دوللى شاهين (التى تمثّل شخصية «نانسي»).
 وللحق لم تنجح دوللى فى أداء دور البنت الشعبية الجاهلة، ربما بسبب ملامحها الدقيقة الأرستقراطية، وإيماءاتها الرقيقة التى حاولت أن تُخرج منها فظاظةً تليق بدورها كلصّة، فخرج الأداء مفتعلاً وصاخبًا بما لا تحتمل الشخصية، (على عكس أدائها الفاتن فى فيلم «ويجا» مثلا)، ولكن صوتها العذب العريض، كمطربة، قام بمعادل موضوعيّ أنقذ الموقف بعض الشيء.
حافظ وسمسمة، كلاهما كان أيضًا فى طفولته قطةً لُفِظَت إلى الشارع. الولد شُكِّك فى نسبه لأبيه الذى ذريته رهطٌ من البنات، فاختار الهروب من قسوة الألسن، إلى قسوة الشارع، والبنتُ جفلت من تحرّش زوج الأم، فآثرت الشارعَ علّه أكثر رحمة بجسدها النحيل. كلاهما تحوّل من قطةٍ فزعة تفتش عن الحب إلى حدأة شرسة تتصيد الصغار لتستولد منهم لصوصًا جددا وحدءات مستنسخة، والدائرةُ لا تنتهي. تلك هى الرسالة التى حملتها المسرحيةُ الاستعراضية بقصائدها الموجعة. برودة المشاعر لدى الأسرة، تخلق مجرم الغد. وهنا نذكر ما قالته الأم تريزا، الهندية العظيمة والأم الروحية لكل أطفال العالم المشردين والمرضى والمأزومين: لكل مرض دواء، لكن ثمة مرضًا مخيفًا لا دواء له، اسمه: «نقص الحب».
«أتارى الأحلام مبتكلفش حاجة»، هكذا راح حافظ وسمسمة يحلمان بغد أجمل وأكثر نظافة، خلوٍ من مطاردة الشرطة، ومطاردة الضمير كذلك، وهو ما سيفعلانه فى نهاية العرض.
الطفل مروان، واسمه فى المسرحية «موس»، (جاك دوكنز لدى ديكنز)، أدى الدور على نحو ممتاز. نجح وجهُه فى الجمع بين نقيضين: براءة الطفولة وفهلوة المجرم الصغير، فخلق هذا التناقض لونًا من المفارقة الوجودية الآسرة.
كذلك نجح الطفل كريم، بطل العمل، الذى ظهر باسمه فى المسرحية ويؤدى دور أوليفر تويست الإنجليزى فى رواية تشارلز ديكنز الأصلية. نحولُه المفرط وضآلةُ جسده، ووقوفه على خط البراءة التى بعدُ لم تُلوَّث بالجريمة، ودهشته مما يجرى حوله فى الورشة الشريرة والحانية فى آن، وانتقالاته بين عوالم متناقضة: الملجأ بغرفه المظلمة، الشارع بقسوته، الورشة بنظامها المبنى على الفوضى وكسر قانون المجتمع، مخفر الشرطة بفظاظته ولا آدميته، السراى الفخمة وخدمها الذين يتسابقون على تدليله، حضن الجد المحروم من الحب، كل تلك الأضداد أربكت روحَ الطفل الهشّة فأنتجت نظرات وجلى مدهوشة، نجح الطفلُ المصريُّ كريم فى أدائها بامتياز. كذلك نجح عزيز الأرناءوط/ جمال إسماعيل، الجد المكلوم على ابنته الراحلة، فى أدائه دور سير براون الثرى الذى قاتل من أجل استعادة حفيده.
طفلُ اليوم، المحروم من السُّكنى والدفء والحب والرعاية، هو مجرمُ الغد الذى سوف يقوّض أمن ذلك المجتمع الذى حرمه فى طفولته من كل ما سبق. أطفال الشوارع قنابل موقوتة تنتظر الزمن وحسب، لتنفجر فى وجه كل شيء. علّ الحكومة المصرية تتحرك لحماية أولئك الملائكة قبل أن يتحولوا إلى شياطين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.