بموهبته ودأبه وخلقه الرفيع، جمع الزميل طلعت إسماعيل بين قيمتين، أدوارا مهنية باهرة أداها حيثما حل، وحضورا إنسانيا وهاجا تتقاطع في نطاقه كل ألوان الطيف السياسي والمهني، صانعا حالة من الود ترى فيها – على البعد – ما يسر، ويأتيك منها – إن اقتربت – ما يثلج الصدر. ذاك الشاب السكندري الذي أتى للقاهرة في مطلع الثمانينيات، طامحا في أن تكون كلية الإعلام بجامعة القاهرة بوابته لعالم الصحافة، ثم انطلق منها إلى دروب وعرة طواها بعطائه، حتى استقر مقامه مديرا لتحرير "الشروق"، هو نفسه الذي يطل علينا اليوم –بذات الحماس المصحوب بذات الابتسامة – منتظرا تكليفا من زملائه لينوب عنهم بمجلس نقابتهم، لا بعلو الصوت ولا بوعود خيالية، وإنما بانتمائه الأصيل لجموع الصحفيين على اختلاف توجهاتهم ومعرفته بمشاكلهم ومطالبهم وأحلامهم، ثم بقدرته على الحركة والفعل والوجود بينهم. أول ما يتزود به طلعت إسماعيل في مهمته النقابية هو محبة زملائه، وما عليك لتعرف قيمة هذا الجانب إلا أن تذكر اسمه بين من زاملوه على امتداد رحلته الصحفية الغنية. سيقول أساتذة رمقوا موهبته منذ البدايات ثم تابعوا مشواره بإعجاب دون أن ينقطع عنهم بتواصله الإنساني: نعم الاختيار. وسيدعم أصدقاء رافقوه في أي من تجاربه هذا القول بحكايات باهرة عن سجل التزامه ومهنيته ودقته ودفاعه المستميت عن حقوقهم، حتى وهو في مواقع إدارة التحرير بتنوعها. أما الشباب الذين تعلموا على يديه، ومنهم اليوم من يشغل مواقع مرموقة، فيعترفون بأن لقاءهم به كان نقطة تحول جعلتهم يضعون أقدامهم على الطريق الصحيحة.. وفي ذلك تتزاحم الذكريات. لم يكن طلعت إسماعيل يستقبل الشباب بلغة الوصاية المعتادة، ولا بوجه عابث منفر، وإنما بروح الأخ الأكبر العارف بجموحهم الفطري والمؤمن – في الوقت عينه – بحق كل موهبة جديدة في أن تأخذ حقها من الرعاية والتدريب، حتى تصبح إضافة حقيقية لبستان هذه المهنة لا مجرد بطاقة عضوية كتلك التي يتحصل عليها أصحاب الحظوة أو القادمين من فضاء المحسوبية وباب المجاملات. هو نفسه تصدى لكثير من المظالم التي تعرض لها زملاؤه الأصغر سنا، وخاض معاركهم بل وتحمل مثلهم تبعاتها، فكانت النتيجة أن حصلوا في معظم الأحوال على حقوقهم بينما فاز هو بثقتهم وتقديرهم.. وقبل ذلك وبعده مودتهم. كذلك يستعين رجل "الخط المستقيم" كما يُلقب في دوائره القريبة على مهمته النقابية، بمعرفته العميقة بمشاكل الصحافة والصحفيين في مصر. تدعمه في ذلك معايشته اليومية لهموم زملائه في مختلف الصحف، وتواصله المستمر معهم سواء بالتعامل المباشر أو باللقاءات المتكررة التي تجمعه بهم في القاهرة والمحافظات. وعلى الصعيد الشخصي، يملك طلعت إسماعيل ما يجعله واثقا من تحقيق طموحات زملائه عبر عضوية مجلس النقابة. يكفيه أنه صعد السلم من بداياته، فبات خبيرا بالمشاكل وحلولها، باحتياجات الصحفيين وكيفية تلبيتها دون اللجوء لشعارات طنانة. ويكفيه كذلك تاريخه الصحفي الناجح، إذ كان - في كل تجاربه الصحفية– صاحب بصمة يصعب أن ينساها أهل المكان أو قرائه، ففي "صوت العرب" و"الموقف العربي" عبر بتحقيقاته الأولى وكان معظمها في قلب مناطق الفقر والخطر، لا عن جسارة جيله الصاعد حينئذ فحسب، وإنما أيضا عن حاجة مهنته لانتفاضة شبابية تنقذها من ثلاثية الموالاة والإثارة والتهييج. وفي "مصر الفتاة"، حيث كان واحدا من أصغر مدراء التحرير في ذلك الوقت، قدم وجها ثانيا لهذه الجسارة، فتمكن – بصحبة فريق صار معظم أبنائه فيما بعد نجوما في بلاط صاحبة الجلالة - من مغالبة مخاطر السياسة وقلة الإمكانيات، وصعد بصحيفته الوليدة في أقل من عام إلى صدارة الصحف الأسبوعية. أما في "العربي"، فكان له – منذ اليوم الأول لصدورها في يوليو1993 – حضورا يتجاوز مهامه المعلنة كرئيس لأكثر من قسم، ثم كمدير للتحرير، فهو صائد الأخبار ورجل التحقيقات الصعبة وصاحب الانفرادات المدوية، ناهيك عن مساهماته في رسم الخريطة التحريرية للصحيفة التي جمعت – يومئذ - جيل التغيير الصحفي بنخبة من عمالقة المهنة وكبار الكتُاب والأدباء والفنانين، ممن آمنوا بأن مقاومة الفساد والاستبداد تدخل في صميم دور الصحافة الوطنية. حتى في غربته التي تكررت مرتين، الأولى في الدوحة والثانية في دبي، احتفظ طلعت إسماعيل لبصمته المهنية بوهجها المتجدد، ففي "الشرق" القطرية رأس قسم الشئون العربية والدولية لمدة عامين ( 1996-1998)، وفي "البيان" الإماراتية عمل بالقسم نفسه، ثم شغل منصب سكرتير التحرير لنحو ثلاثة أعوام، لكن الأهم من الأدوار والمناصب أنه قدم نموذجا مهنيا وأخلاقيا لازالت أصداؤه تتردد في البلدين، ضامنة لاسمه لمعانا يعوض زملاءه هناك خسارتهم بعودته النهائية إلى القاهرة إثر نجاح ثورة يناير التي مثلت له نداء وطنيًا لم يكن بوسعه أن يرده. هنا في القاهرة، عاد طلعت إسماعيل لهوايته القديمة / الجديدة في التصدي للمهام الصعبة، فشارك في تأسيس صحيفة "المشهد" وشغل موقع نائب رئيس التحرير بها، ثم انتقل إلى "الشروق" مديرا للتحرير، لكنه - على الرغم من كل انشغالاته - ظل وفيا للجماعة الصحفية، فكانت له مشاركاته النقابية البارزة، وأهمها قيادته حملة التصدي لتساهل المجلس الحالي في قضية خرق بعض الزملاء لقرار الجمعية العمومية بتجريم التطبيع مع العدو الإسرائيلي. تقديره أن الفرصة سانحة أمام الصحفيين كي يستردوا لنقابتهم دورها الغائب على كل المستويات بدءا مما تقدمه لأعضائها من خدمات، ووصولا إلى مساهمتها الوطنية في بناء مصر الثورة على أسس العدالة والمواطنة وسيادة القانون.. أما شعاره في الانتخابات النقابية فبسيط يشبهه: "حقوقكم أمانة.. سأوفيها". المقال المطبوع المقال المطبوع من عدد المشهد الصادر غدا