مطوبس- المشهد عن روايات الهلال صدرت اخيرا رواية الدكان للكاتب سميرالمنزلاوى ، وهو روائى يمتلك رؤية فنية خاصة يدخل بها عالما مدهشا من الشخوص المرسومة بعشق وحرفية ، والموضوعات التى تقارب السحر من حيث العمق والدهشة والابتكار . الدكان احد أعماله الجديدة التى لا يكف عن تطويرها ، لذا جاءت كعادته مبهرة فى لغتها ، صاعدة فى سردها الذى يمثل احد ابطال العمل ، كما أنها صيغت كقطعة متجانسة من الهمس و الصخب ، ومن الصراع و المشاركة ، فى جدلية واحدة محكمة ومقنعة . الدكان هو عصب القرية فى الستينات ، ومن خلاله كتيمة ناجحة استطاع الكاتب أن يصهر البشر والارض و البحيرة والترعة و الشوارع و الاحباطات و الآمال والحب المكبوت فى هذا الحيز الصغير . تحركت قرية العرفا كلها بقلم سميرالمنزلاوى ، راسمة لوحة رائعة لأغوار النفس البشرية فى السلم و الحرب ، مركزا على الحيرة الفنية المراوغة بلا استعراض او مباشرة ، الفن هو المحك الرئيسى فى كل صفحة من صفحات الرواية سواء فى الحكى البديع ، أو فى الوصف الرقراق الشاعرى ، أو فى الحوار الصادق المتدفق من القلوب الساذجة!الفن أيضا يهيمن على الاماكن ويخرجها تماما من الواقعية الجغرافية المحدودة الى الواقعية السحرية المحلقة فى عالم الابداع العجيب! تمضى الشخصيات فى رحلتها حرة طليقة ، و تتوزع الصور الجميلة المتفردة بين الدكان ورواده و الشاب النابه فريد ابن صاحب المحل الذى يعيش الخيال ، و يدمن القراءة من أوراق قراطيس اللب و السودانى ، وينجح فى تأسيس مشروعه الأدبى ., نجح الكاتب كذلك فى الغوص الى اعماق المجتمع ونفوس أهله ، فرأينا ما تكنه القلوب ، واستمعنا الى أنات الحزن و خفقات الحب الضائع والقلق المسيطر على الفقراء وهم الغالبية العظمى ! تهتم الرواية بالشخصيات جميعها ، حتى المهمشة منها ، و تتمهل أمام كل منهم لتعطيه حقه ، كجدار من جدران العمل لا غنى عنه ، و يبرع المؤلف فى التفصيلات الحميمة التى لا يمكنك تركها مهما كانت مشاغلك ! من أمتع الحيل الفنية التى لجأ اليها سميرالمنزلاوى فى نهاية العمل الفريد ، انه رفض ان ينهى الرواية كما يفعل بقية الكتاب ، ربما لانه يعى ان الحياة فى صيرورة ، وليس ثمة نهاية لشئ ، لكنه اعتمد على غلمان القرية العباقرة الذين يعرفون كل شئ ، فمنحهم حق وضع نهايات لانشطة معظم الشخصيات المحورية من خلال تمثيليات متقنة يؤدونها ليلا امام المسجد ، وهى تعكس مشاغبة الاولاد ، وجموح خيالهم ، وعمق تصورهم للحياة التى تدور من حولهم ! نحن امام نموذج صادق للادب الراقى العميق ، يتكرر دائما فى اعمال سمير المنزلاوى الذى لفت نظر النقاد منذ سنوات طويلة فراهنوا عليه ، وها هو ذا يربح الرهان .