أخيرا قالت "حماس" الدولة العظمى في قطاع غزة كلمتها ، وطرحت شروطا عشرا للقبول بوقف إطلاق صواريخ الفزع على الكيان الصهيوني ، ولولا أنها لم تأخذها العزة بالانتصار لطالبت بتقسيم إسرائيل ونزع سلاحها وإلزامها بدفع تعويضات عما حدث للقطاع منذ 1967 ، هذا إذا أخذنا شروط الدولة العظمى في القطاع على محمل الجد . أما إذا حملناها على حقيقتها ، فسنجد أن كل هذه الشروط ليست إلا لتغليف الشرط الحقيقي الذي وضعته حماس في المنتصف (رقم 6) والذي عاقبت فيه مصر ، هذه الدولة المسكينة المجاورة لها ، على هدم الأنفاق غير الشرعية فنزعت جزءا من سيادتها على أرضها مانحة إياه لدول أجنبية وأخرى عربية وثالثة صديقة . يقول الشرط السادس : تحويل معبر رفح إلى معبر دولي تشرف عليه الأممالمتحدة و دول عربية و صديقة .. ما علينا من سفاهة السفهاء ، فالأهم أن كل يوم تقلص الفصائل الفلسطينية بزعامة حماس قضية فلسطين وتقزمها ، فمرة تكون ملف الأسرى ، وأخرى تكون الصراع بين صواريخ الفزع الفلسطينية وطائرات القتل الجماعي الصهيونية ، وأخيرا صارت المعابر ، ومعبر رفح المصري تحديدا . نعم ، قضية معابر غزة ، سواء على الجانب المصري أو جانب العدو الصهيوني ، قضية ذات أهمية قصوى لقطاع غزة لا شك في ذلك ، فغير مقبول أن يتم حصار مليون ونصف إنسان من كل الجهات برا وبحرا وجوا بلا أي بادرة أمل ، ولكن المعابر ليست القضية الأم التي كثرت ملفاتها من الاستيطان إلى الجدار العازل إلى تهويد القدسالشرقية ، فضلا عن قضايا التسوية وأهمها قضية اللاجئين في الداخل الفلسطيني وفي العالم .. إلى آخره . أما أن يدفع الدم الفلسطيني في مقابل فتح هذا المعبر أو ذاك ، فهذا سفه نضالي بكل تأكيد إن لم يكن أدخل في المؤامرة منه في السفه . إن تعليق القبول بوقف إطلاق النار على حل مسألة المعابر أمر مثير للريبة بالطرف الفلسطيني ، وتحديدا في قيمة البشر والحجر عنده ، وإذا كانت هذه هي كل قيمتهما عنده ، فكيف نلوم على العدو الصهيوني أن يكونا عنده بلا اية قيمة على الإطلاق !! وإذا كانت المعابر هي المطلب الوحيد لموافقة حماس والجهاد على إيقاف إطلاق النار ، ألا يجعلنا هذا على ريبة من قتل المستوطنين ، وعلى يقين بأن حماس استدعت العدوان على غزة بقتل هؤلاء الصهاينة في هذا التوقيت بالذات . الواقع أن تدمير الأنفاق غير الشرعية بين رفح المصرية وغزة قد بلغ حد العصف باقتصاديات حماس ، بشكل يجعل سلطتها على غزة وعلى بقية الفصائل مهددة ، وهو ما جعلها تضع خطتهاوتنفذها بسرعة ، فتبدأ أولا بمصالحة مزعومة مع السلطة الفلسطينية والموافقة على تشكيل حكومة التوافق الوطني ، وما هي إلا أيام حتى تتورط ضفة السلطة وغزة الفصائل بخطف المستوطنين في الضفة وقتلهم ، وباتت تنتظر العدوان على الضفة أو غزة بقلب فارغ من الصبر . ولم يعن حماس أن لعبتها مكشوفة أو مستورة ، فالمهم أن تتم اللعبة ونصل لهذه المبادرة أو تلك لإيقاف إطلاق النار ، وفجأة تطل القضية الأم التي ليست قضية الاستيطان ولا الأسرى ، ولكنها المعابر التي سيتم تقليصها أثناء التفاوض إلى المعبر الوحيد الأكثر أهمية لحماس تحديدا ، وهو المعبر المصري .. وليس ابتزازا مطلقا ، أو ليكن ابتزازا أو أي شيء غير أخلاقي آخر ، أن يتم الضغط على مصر بدماء أهل غزة وكأنهم جالية مصرية تعيش في غزة ، وأن يتوقف قبول حماس بوقف العدوان على غزة ، وليس الكلمة الخادعة "وقف إطلاق النار" ، على القبول بشروط حماس على المعبر . والغريب في الأمر أن كل الأطراف حتى المتصارعة ستضغط على مصر في هذا السبيل ، فخلف معبر رفح مؤامرة كبرى تديرها أمريكا وإسرائيل وحماس الإخوانية فضلا عن فصائل أخرى ليست بعيدة عن فكر الإخوان .. مريب جدا هو التوقيت ، فمصر مشغولة بمطاردة فلول الإرهابيين من الإخوان وحلفائهم في سيناء وكل بقاعها ، وحماس تؤذن في فضائياتها صباح مساء بتأييد جماعتها من الإخوان واتهام النظام في مصر بأنه انقلابي ، ثم تضغط بدم أهل غزة لفتح المعبر دون وجود علاقات سوية بين الطرفين ، ودون إجراءات بناء ثقة بينهما ، وهنا تحديدا يمكن فهم رفض حماس للمبادرة المصرية التي وافق عليها مجلس وزراء الخارجية العرب ، فحماس تريد العالم هنا على طاولة التفاوض على المعبر المصري ، فلا العرب يكفون في هذه المسألة ولا الطرف الأصيل في هذا المعبر كافيا . تريد حماس كل العالم هنا لأن التنظيم الدولي لحماس يريد ذلك ، والقوى المدبرة للمؤامرة على مصر والمنطقة العربية تريد ما يريده التنظيم الدولي الإرهابي .. ليكن إذن ، لحماس شروط ولمصر شروطها كذلك ، لا بل شرط واحد هو أن تعود السلطة الفلسطينية وتمارس دورها الأمني في غزة كلها عموما وعلى المعبر المصري خصوصا وتجري انتخابات برلمانية حرة وشفافة ، فهل توافق حماس !! إن حماس تلعب لعبة أكبر منها بكثير ، إذ تريد شرعنة وضع جديد جدا على العلاقات بين الدول في تنظيم حدودها ، حيث تنوب جماعة عن الدولة ، أو السلطة في الحالة الفلسطينية ، في الجلوس مع الدولة المجاورة والاتفاق على تنظيم العبور بين الحدود . إن علاقات الحدود تكون بين الدول ، وليس بين دولة وجماعة انقلبت على الدولة أو السلطة في الطرف الآخر ، وإذا كان أحد في غزة ، كائنا من كان ، يفكر في اتفاقية للمعبر المصري ، فلن تكون هذه الاتفاقية مطلقا بين مصر الدولة وهذا الفصيل أو ذاك ، ولا بين مصر الدولة وبين سلطة غائبة عن الأرض موضوع الاتفاق . وإذن ، فإن قرار الدولة المصرية في أية ترتيبات تخص المعبر ، هو عودة السلطة الفلسطينية إلى ممارسة مهماتها في القطاع ، وسنتفق على كل شيء ، أما هذا الابتزاز فلن يجدي مع مصر شيئا ، ولا وجود لدولة في العالم بالغة ما بلغت من القوة والتأثير تملك من الإرادة المصرية الآن قلامة ظفر أو أقل . أخيرا ، إن قضية المعابر ، وليس المعبر المصري فقط ، قضية سياسية ، وكان يمكن أن تكون موضوعا لضغط فلسطيني ومصري وعربي ودولي ، دون إراقة دم أهل غزة ، بهذه المؤامرة الحمساوية القذرة التي لن تفلح صواريخ العالم ، لا صواريخ الفزع إياها ، في تطهير صانعيها من قذارتها ورجسها .. سيطارد دم أهل غزة المتآمرين غدا كما يطارد القتلة سواء بسواء ، وسوف يلعن التاريخ الاثنين بجملة واحدة .