سبحان من له الدوام. تونس تقدم آية جديدة من آيات الله على الأرض. بعد هروب الديكتاتور، يصبح المعارض العتيد المنصف المرزوقي رئيسًا لتونس مكان "بن علي"، ويسكن في نفس القصر الذي كان يسكن فيه "بن علي" وينام في نفس سريره، ويأكل على نفس مائدته. هذه واحدة من الآيات الكبرى التي تؤكد أن للكون إلها جبارا، وعادلا، جبار لأنه ينتقم من الظالمين، وعادل لأنه ينصف المظلومين. الربيع العربي آية ربانية، وعجيبة من عجائب القدرة الإلهية. يعز من يشاء، ويذل من يشاء. يعطي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء. إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. بن علي، مبارك، القذافي، صالح، وبشار، كلهم فراعين طغوا، وبغوا، وتجبروا. اعتبروا أنفسهم أنصاف آلهة، لهم قداسة الآلهة، ومعصومية الأنبياء والمرسلين.وحتى لا يبلغ اليأس مبلغه بالعباد، وحتى لا يفتنوا في دينهم، وعقيدتهم، وحتى يطمئنوا دوما إلى أن للكون إله لا تأخذه سنة ولا نوم تحدث تلك الثورات، وبأيدي البشر اليائسين أنفسهم، فتنزع هؤلاء الطغاة من فوق عروشهم، وتلقي بهم إلى اسوأ نهاية لم يكن يتصورها أحدهم يوما في أحلك كوابيسه. ذق إنك أنت العزيز الكريم. بن علي يهرب خلسة مثل المجرمين واللصوص بعد أن كان عظيما مهابا مخيفا. مبارك يضطر لترك السلطة التي كان مفتونا بها، وحريصا عليها، ويعمل لإبقائها في نسله، ويدخل القفص سجينا ذليلا مكسورا بعد أن كان جبارا مغرورا، وبعد أن طغى في البلاد، فأكثر فيها الفساد. القذافي ملك الملوك، وأمير الأمراء، ورئيس الرؤساء، ومهووس المهوسين بالعظمة المجنونة يختبئ في ماسورة صرف صحي، وهي أقذر مكان لتصريف أقذر ما يخرج من الانسان، فيسحب منها على الأرض ويجرمن شعره، ويضرب ويهان ويذل كما لم يذل حاكم آخر آفل، ويتوسل الرحمة فلا يجدها لأنه كان قاسي القلب لم يرحم احدا، وتنتهي حياته بطلقة لا ثمن لها، ويترك جيفة يتفرج عليها الناس. صالح بعد تشبث طويل بالكرسي، ورغم الموت الذي عاشه وأفلت منه بأعجوبة، إلا أنه لم يتعظ، لكنه أخيرا يخضع ويرحل بعد أن أيقن ألا مكان له، وهو يظن أن الورقة التي وقعها ستحميه من الحساب، حسابه آت لامحالة. وآخرهم -وليس الأخير بين الطغاة- المتوحش بشار الأسد الذي يرتكب كل جرائم من سبقوه في شعبه، ونهايته ستكون من جنس عمله، فمصيره لن يختلف عنهم، وإذا بقي فإنه لن يهنأ بحياته وحكمه أبدا بعد أن فقد إنسانيته، وعاد إلى طوره الحيواني البهيمي. تابعت جلسة المجلس التأسيسي بتونس وهو يعلن انتخاب المنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية بحرية وديمقراطية، في لحظة تاريخية أخرى للثورة التونسية الملهمة. ثم انتقل المرزوقي إلى ذات القصر الذي كان "بن علي" يحكم منه تونس بالقهر والقمع والخوف. كان المرزوقي مهانا من النظام البائد، مسجونا ومعتقلا ومحاربا في رزقه ومطاردا ومستهدفا ومنفيا بعيدا عن وطنه، وكان النظام يطلق عليه كلابه المسعورة من الإعلاميين القذرين الانتهازيين المنافقين، لينهشوه نهشا من أجل الفتات الذي يلقيه لهم إلههم الذي في قصر قرطاج. اليوم يدخل المرزوقي قصر قرطاج منتصرا، مرفوع الرأس، ليحكم منه تونس بالحق والعدل، وليس بالجور والبغي، ويذهب السفلة إلى الجحيم. لم يكن المرزوقي يحلم أن يمر يوما من أمام هذا القصر، فإذ به اليوم هو ساكنه عن حب واختيار شعبي، بينما ساكنه السابق يتوارى عن الأنظار خجلا في منفاه، انتظارا لنهايته التي لن يأسف عليه فيها أحد. سبحانك يارب، يا خالق الأرض والسماء، يا مالك الملك، نحن البشر صغار، وضعاف، ولا نساوي بأرضنا، وبكل ما فيها، وما عليها، جناح بعوضة عندك، لكن هل يتعلم الطغاة؟، وهل يستوعبون تلك الدروس العظيمة؟ حقا إن الإنسان كان ظلوما جهولا!.