جاءت الثورات والانتفاضات الشعبية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا لتؤكد انتهاء صبر الشعوب على حكامها المستبدين، وسوء الأحوال السياسية والمعيشية في بلدانهم وانتهاء مرحلة الخوف.. لم يعد الاعتقال أو الموت يخيف من خرجوا إلى الشوارع في المدن والقرى العربية ينادون بإسقاط النظام، لقد طفح الكيل لدى المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية ومستوياتهم التعليمية ومواقعهم الاجتماعية.. الأنظمة التي حكمت هذه البلدان بموجب الأساليب البوليسية التي تعتمد على التخويف والترويع والاضطهاد والاعتقال والقتل لم تتعود على مطالب الإصلاح، وهي ليست على استعداد للإصغاء لنصائح الآخرين، سواء كانوا محليين أو أجانب، لتعديل الأوضاع والسماح للشعوب بالمشاركة في صناعة القرارات التي تضبط إيقاع حياتهم ومصيرهم. اعتبر الحكام العرب أنفسهم بمنزلة آلهة، كما كان الفراعنة وغيرهم من حكام الأزمنة الغابرة.. وهم، وإن كانوا من المسلمين، فإنهم لم يتعلموا أشياء من الإسلام.. واعتمدوا على وعاظ السلاطين الذين حرّموا الخروج على ولاة الأمر واعتبروا ذلك كفراً ليس من بعده كفر، وأن على هذه الشعوب أن تطيع ولاة الأمر حتى لو استبدوا وعاثوا في الأرض فساداً، وما على هذه الشعوب سوى السمع والطاعة وانتظار الفرج الذي سيأتيهم من بعد الصبر الطويل.. كما اعتبر هؤلاء الوعاظ بأن معصية الحاكم، أو ولي الأمر، هىمفسدة ما بعدها مفسدة.. ولم يأخذ هؤلاء بنظر الاهتمام مزاعم عدد من هؤلاء الحكام بأنهم أشباه آلهة ولا يجوز تحدي أمرهم وحكمهم..! لقد مثلت نهاية معمر القذافي، الشبيهة بالتراجيديا الإغريقية القديمة، نموذجاً واضحاً لنهاية الطغاة ورفض الانصياع لإرادة الشعوب، فهل يتعظ بقية الحكام الطغاة منها؟ أوضح لنا التاريخ القديم والتاريخ المعاصر أن التعلم من التجارب الأخرى شبه معدوم، ولذلك تتكرر المآسي وتدفع الشعوب ثمناً باهظاً من دماء أفرادها، وخصوصا من الشباب، من أجل تحقيق ما تصبو إليه من كرامة ومشاركة في صناعة الحياة.. ولا شك أن الشعوب العربية خنعت للطغيان والاستبداد لزمن طويل، ولكن لا بد من نهاية. مرت شعوب عديدة بفترات طويلة من الظلم وثارت عليها وأوجدت نظما سياسية تتجاوب مع القيم الإنسانية وتمكن من التغيير والإصلاح من دون عنف أو إراقة دماء.. وحتى في زمننا المعاصر في القرن العشرين، عانت شعوب ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وروسيا وبقية البلدان في أوروبا الشرقية من حكام مستبدين أدخلوها في حروب مع الآخرين، أو حروب أهلية ولم تتحرر من أولئك الحكام إلا بعد دفع ثمن باهظ ومقتل الآلاف من أبنائها.. ألم يتسبب هتلر بقتل الملايين من الألمان والأوربيين وغيرهم ودمار الكثير من المدن والبلدان في العديد من بلدان القارة الأوروبية؟
ألم يتسبب فرانكو بتأجيج حرب أهلية في إسبانيا ما زال الإسبان يتذكرون مآسيها ويؤطرونها شعراً وفناً؟ لقد جاءت ساعة الحقيقة، وآن للعرب أن يعيشوا حياة سعيدة وأنظمة سياسية ديمقراطية تمكنهم من تداول السلطة سلميا وتعزز قدرتهم على تحقيق التنمية بموجب اختياراتهم الحرة، وأن يوظفوا أموالهم من أجل الارتقاء بمستوياتهم المعيشية وتحسين نوعية الحياة في بلدانهم.. لم تعد البلدان العربية عزباً، أو مزارع، للطغاة يستغلون خيراتها ويستعبدون شعوبها، ومن لديه ذرة من الذكاء عليه أن يفكر بما آل إليه نظام القذافي ويعمل من أجل انتقال سلمي للسلطة بموجب معايير الديمقراطية المعاصرة. -------------------- عن صحيفة " الطليعة " الكويتية