وجوه تشتم فيها عرق المصريين، وكفاحهم وسط زحمة الحياة التي لا ترحم، غير أن أصحبها يتمتعون بسكينة داخلية وثقة في المستقبل، وتفاؤل ب "الحلم" المقبل رغم التحديات، تلك خلاصة ما يلح عليه فنان مرهف، أراد بفرشاته أن يمسنا بريقُ الروح المصرية الصادق، من خلال نماذج وشخصيات تصادفك ليل نهار، وربما لا تثير فضولك، غير أن التشكيلي أحمد بيومي، كان له رأي اخر. لوحات بيومي التي تزدان بها جدران إحدى قاعات المركز الثقافي الروسي حاليًا، في أول معرض فردي لهذا الفنان، أعادتني وثلة من الأصدقاء - جمعهم الصديق شريف جاد مدير الانشطة الثقافية بالمركز- إلى سنوات خوال كنا نرتاد فيها بشكل أسبوعي واحدًا من معاقل الإشعاع الثقافي. من الريف والحضر، من البادية والنوبة، ومن الصحراء والبحر، في دلتا مصر وصعيدها، راح بيومي يلتقط "وجوه أبناء النيل" بسمرتهم الذائبة رقة وصلابة معًا، فقدم الفلاحة المنهمكة في "جلي" أوانيها في مياه النهر الخالد، قبل أن يجسد لنا بائعة الخضار النشيطة بثمارها الناضجة، التي تكاد من فرط حلاوتها أن تمد يديك لقطف نصيبك من هذا الرزق الوفير. الحنطور بحصانه المفعم بالحيوية، و البائع المتجول الذي يجر عربة اليد التقليدية في حذاء "لميع " يتحدى تراب الطريق بنظافته، قد يكون بعيدًا عن واقعنا المتخم باكوام الزبالة، غير أن هذا هو"حلم" بيومي لهؤلاء الفقراء، "عيشة هنية" تلفها الصحة والعافية. المعرض كان فرصة للهروب من ملاحقة الأحداث السياسة وهموم الحياة اليومية التي تشغل النخبة والشارع، بتفاصيلها التي تبعث على الإحباط، رغم إبداع المصريين واحدة من أهم الثورات في العالم. أخرجتنا لوحات بيومي مع صحبة من الضيوف بينهم المستشرق الروسي، عاشق مصر، فلاديمير بيلياكوف، من المناخ المقبض الذي يحاول البعض أن يفرضه على أجواء القاهرة، إلى عالم آخر أكثر رحابة، لا يغفل الواقع لكنه يتشبث بالأفضل القادم. مثل هذه الأنشطة، التي دأب المركز الثقافي الروسي على تقديمها لرواده، واحدة من وسائل مد الجسور بين الثقافات، وكانت فرصة لمدير المراكز الثقافية الروسية في مصرالكسندر بالينكو، للحديث عن دور الفن في التقريب بين البشر، و شكلت كلمته في افتتاح المعرض، رسالة حب الى الفن المصري والتشكيليين المصريين الذين دائما ما تجد لوحاتهم سبيلا للعرض في المركز. وبعيدًا عن ضجيج شارع التحرير بالدقي، حيث يقع المركز الثقافي الروسي، كان مسك الختام صوت "أماني" وهي موهبة مصرية تشق طريقها، حيث حلقت بنا بقبس من أغاني فيروز وفايزة أحمد وعبد الوهاب، وأم كلثوم، لتعيدنا إلى فن الزمن الجميل، وتؤكد القاعدة الذهبية التي تقول "مصر ولادة".