تعا اشرب شاي فنون التطبيل أمام عزرائيل أماني قاسم كان إبن أخى لم يزل صغيرا حين سألته إن كان يحبنى ،فأجابنى : بصراحة لأ ، كانت إجابته تلقائية وسريعة وقاطعة ، فكدت أن أقع من فرط الضحك ، لم أتوقف إلا كى أمنع والدته من ضربه بسبب "قلة ذوقه" حسب ما رأت. عندما عدت إلى البيت أخذت أفكر بجدية فى أمر الصغير ، فهذه هى المرة الاولى التى أتلقى فيها إجابة كتلك ، وعندما راجعت سلوكى معه وجدت أنه على حق ، فأخوه الأكبر هو الطفل الأول لذلك فهو إبن العائلة المدلل ، وأخته الصغيرة فى أجمل مراحل الطفولة لذلك فهى تخطف قلوبنا جميعا بكلماتها المبعثرة وردود أفعالها المباغتة ، أما هو فلا أحد يعيره الإهتمام الكافى و ضاع حقه بينهما. علمنى هذا الطفل وقتها أن أراجع مواقفى ، ليس معه فحسب وإنما مع كل من أعرف ، بداية من الصغار حتى كبار السن أولئك الذين نعاملهم ككومبارس صامت فى حياتنا ، فحين نجتمع لا نوجه إليهم سوى كلمات المجاملة العابرة من حين لآخر بينما ننهمك فى حوارات جانبية كأن لا وجود لهم بيننا. أحسست أننى مدينة له بالشكر ، فقد فعل الشئ الذى يكاد ألا يفعله أحد معى سوى أبى وأمى ، وهو مصارحتى بعيوبى ، لذا فقد كنت متعاطفة مع مبارك – كإنسان - حين إندلعت ثورة يناير ، كنت أرى أنه لم يجد شخصا يحبه بحق ، فلو كنت إبنته أو زوجته لنصحته منذ سنوات عديدة بالتنحى تماما كنجوم الرياضة الذين يعتزلون وهم لا يزالون على القمة وبذلك تظل ذكراهم طيبة فى قلوب الجميع ، إلا أن كل فرد ممن حوله كان يحب نفسه أكثر مما أحبه ، كل المحيطين به كانوا مستفيدين من وجوده فصعب عليهم إسداء النصيحة المخلصة ، كل رموز الدولة فى كافة المجالات لم يحبوه بصدق فلو أحبوه بالفعل لوجهوا له النقد أو كفوا عن مدحه على أقل تقدير ، ولكنهم كانوا يتصرفون معه تماما "كمجاذيب الست" عظمة على عظمة ياريس حتى وإن عطس. كنت أرى أن عصر مبارك هو الأكثر نفاقا و تطبيلا ، ليس فقط تجاهه وإنما على كافة المستويات ، فكل مسئول له شلة الهتيفة الخاصة به ، والبعض يتخذها مهنة تماما كالمعددة التى تقبض مقابل الولولة على الميت ، فهو يهتف فى كل المجالس وفى كل المواقف وأضدادها. الحقيقة أننى عندما عدت بذاكرتى إلى الماضى وجدت أن التراث المصرى يشجع على ذلك التطبيل ويلقنه للأطفال مع وجبة السيريلاك ، ولا أنسى حدوتة جدتى "أمنا الغولة" التى قصدتها عند البئر فتاة - مفروض فى الحدوتة أنها غبية - وهى تمشط شعرها المملوء بالقمل ، فأمرت الفتاة أن تأكل ذلك القمل ، فتأففت و إشمأزت ، فما كان من أمنا الغولة إلا أن صبت عليها جام غضبها جزاء وفاقا ، وأخذت تأمر بئرها قائلة : يا بير يا بير إملاها قمل وصراصير ، ثم جاءتها الفتاة - الذكية راجحة العقل -وحين أمرتها أن تأكل قملها ، أخذت تتغزل فى طعمه وحلاوة مذاقه ، فكافئتها أمنا الغولة على لباقتها وحسن أدبها ، فأمرت بئرها قائلة : يا بير يا بير لبسها حرير فى حرير ، يا بير يا بير إملا إديها لولى ودهب كتير ، فلا عجب أن ننشأ على التطبيل كل فى مجاله ، فالسياسى يحمل دف التقدم ورجل الدين يحمل دف الفضيلة ، و رجل الإقتصاد يحمل دف النمو والرخاء......... إلخ أما الإعلامى فهو يحمل بالإضافة إلى بوقه ، أبواق جميع السادة المطبلاتية. لم أكن اتخيل أن يأتى على اليوم الذى أترحم فيه على التطبيل فى عهد مبارك و أقتنع أن هتيفة ذلك العهد كانوا عيال خيبانة ومبتدئة مقابل ما أراه اليوم ، فلصالح من كل هذا النفاق ؟ لو كنت مسئولة لنفضت كل هؤلاء من حولى لأنهم بإختصار لا يحبون سوى أنفسهم ، فلا تهمهم مصلحتى و لا مصالح العباد ، و قد صعدوا حالة التطبيل إلى أعلى مستويات النفاق و ببجاحة يحسدون عليها ، فلم تعد جملة (شلوت سعادتك دفعة للأمام ) نكتة، بل واقعا ملموسا ربما يضيف إليه البعض شيئا من التجلى فيقول أن البركة قد حلت بجسده منذ أن مسه الحذاء الطاهر لذلك المسئول أثناء ضربه بالشلوت. لقد أصبحنا فى صالة مزادات النفاق ، عن نفسى سأفتتح المزاد وأعلن أن رئيسى فى العمل من العشرة المبشرين بالجنة (أيوة هو كدة و ما حدش يسألنى حيدخل بدل مين من الصحابة) ها مين يزود؟ قديما قالوا: صديقك من صدقك ، و رضى الله عن سيدنا عمر بن الخطاب الذى قال وهو من هو : إهدوا إلى عيوبى. السادة المسئولون الآن ليسوا أكمل من عمر فإهدوا إليهم عيوبهم بأدب و بنية الإخلاص ، فإن لم تنتهوا فلا أقل من أن تنافقوهم دون أن تسمعونا أصواتكم، فقد أصابنا الغثيان وأصبحنا نحسد الصم لأنهم لا يسمعون نعيق طبولكم ، و لكن تذكروا قبل أن تبدأوا فى الضرب على الدفوف ، أن لا أحد سيخلد فيها فالأولى أن تتعلموا فنون التطبيل أمام عزرائيل إن كان ذلك سيشفع لكم عنده. لوجو المشهد لوجو المشهد