بعد جدل "تكوين".. الأزهر يكشف حقيقة إنشاء وحدة "بيان" لمواجهة الإلحاد    عيار 21 الآن بعد ارتفاع كبير.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة    بعد التخفيضات.. تعرف علي أسعار الأضاحي بمنافذ وزارة الزراعة 2024    تربط شرق القاهرة بغربها.. محطات مترو الخط الثالث وموعد تشغيلها (من عدلي منصور لجامعة القاهرة)    الاتحاد الأوروبي يحتفل بالقاهرة بمرور 20 عامًا على تأسيسه    «فايننشال تايمز»: الاتحاد الأوروبي يتخلف عن الولايات المتحدة في إنتاجية العمل    «نيوزويك»: وضع القوات المسلحة الأوكرانية فى دونباس مستمر فى التدهور    تين هاج: ماونت تعرض لإصابة جديدة.. وانتكاسة ل شو قبل مواجهة أرسنال    مباشر مباراة الأهلي والزمالك الثالثة في دوري السوبر لكرة السلة    استدعاء ثلاثي ناشئي المقاولون لمنتخب مواليد 2005    "الجيزاوي" يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على الخدمة الصحية    الحرارة الآن بالقاهرة 33.. "الأرصاد": فرص لسقوط الأمطار بهذه المناطق    أول تعليق من تعليم الدقهلية على تطابق امتحان العلوم للصف الثاني الإعدادي وتسريبه    أبرزهن هند رستم وتحية كاريوكا.. هدى الإتربي تكشف عن نجمات أثرن في حياتها (فيديو)    ميرفت أمين ودنيا سمير غانم تشاركان في تشييع جنازة والدة يسرا اللوزي (صورة)    المفتي: من أهم حيثيات جواز المعاملات البنكية التفرقةُ بين الشخصية الاعتبارية والفردية    محافظ الأقصر ورئيس هيئة الرعاية الصحية يناقشان سير أعمال منظومة التأمين الشامل    خلال 24 ساعة.. تحرير 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    جامعة «أريزونا» تطرد أستاذا جامعيا بعد تعديه على امرأة مسلمة داعمة لفلسطين    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    19 عرضا مسرحيا مجانيا لقصور الثقافة بأسيوط    "مبروك يا صايعة".. الشرنوبي يثير الجدل بتهنئته ل لينا الطهطاوي بزفافها (صور وفيديو)    "الأوقاف" تكرم عضوا ب الأعلى للشئون الإسلامية" لمشاركته بالأنشطة الرمضانية بالمساجد    محافظ أسيوط: مواصلة تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمدينة منفلوط    وكيل صحة الشرقية يفاجئ العاملين بمستشفى الحسينية المركزي ( صور )    ترغب في التخسيس؟- أفضل الطرق لتنشيط هرمون حرق الدهون    «المشاط»: 117 مشروعًا لدفع مشاركة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا    تشييع جثمان عقيد شرطة ضحية تصادم سيارة مع جمل ببني سويف    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    محافظ بني سويف يوجه بمتابعة استمرار التسهيلات في تلقى طلبات التصالح بالقانون الجديد 187    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    بيرسي تاو يحصد جائزة أفضل لاعب في اتحاد دول جنوب إفريقيا    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    تشكيل هيئة مكتب نقابة أسنان القليوبية    خطيب الجمعة ب "الأزهر": الحضارة الإسلامية حوربت عبر تشكيك المسلمين في تراثهم    نقيب الفلاحين يعلن دعمه لاتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    عادات يومية للتحكم في نسبة السكر بالدم.. آمنة على المرضى    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى السجين | يارا سلام
نشر في المشهد يوم 21 - 06 - 2015


(إهداء)
إلى سبع زهرات يوقظن فجرًا لا غروب له.
وإلى رفعت سلام وراوية صادق.

(النص)
(إظلام تام.. تتداخل تصريحات لمسؤولين حكوميين قبل ثورة يناير، وتبدو صرخات الاحتجاج خلفية خافتة تبدأ في التصاعد وتبدأ إضاءة المسرح شيئًا فشيئًا.. تطغى الصرخات على أصوات المسؤولين التي تأخذ في الخفوت.. حتى تختفي تمامًا وتتحول صرخات الاحتجاج إلى شعارات ميدان التحرير المنظمة.. يظهر العلم المصري مرفرفًا وحوله صور المصريين وهم يرفعون لافتاتهم..
يبدأ المسرح في الإظلام ثانية.. مع تصاعد تصريحات المسؤولين منذ تولي المجلس العسكري.. تتخللها عناوين الأخبار عن الفوضى والانتخابات البرلمانية والرئاسية.. يظهر صوت مرسي وهو يلقي خطاب الإعلان الدستوري.. تتعالى أصوات الاحتجاجات حتى تغطي على صوته.. تعود هتافات المتظاهرين.. وما إن يبدأ إعلان يوليو حتى تخفت الأصوات تمامًا.. يتلو الإعلان صوت مذيع يعلن فوز السيسي بانتخابات مصر.. إضاءة
ستارة العرض على هيئة قضبان للسجن يأتي من خلفها صوت يارا يقرأ هذه الرسالة، فيما تفتح الستارة ببطء ومع نهاية الرسالة تظهر يارا سلام وحولها بقعة ضوء، وهي ممسكة بكتاب رسائل السجن لجرامشي)
صوت يارا: أمي العزيزة أريد حقيقة أن أضمك بقوة بين ذراعيّ كي تشعري بعميق الحب الذي أكنه لكَ وكم أرغبُ أن أواسيكَ عن هذا الحزن الذي تسببتُ فيه لكَ، لكني لا أستطيعُ أن أفعل غير ما فعلت، هي الحياة قاسية جدًّا. أحيانًا يجب أن يتسبب الأبناء في أحزان لأمهاتهم، إذا أرادوا المحافظة على شرف الرجال وكرامتهم أقبلكَ بحرارة. (تغلق الكتاب وتتقدم خطوة) في السجن.. وسط القضبان لا نملك إلا أن نقرأ أو نكتب.. لماذا؟ فكروا معي.. (كأنها تسمع) ربما.. الكتابة بساط سحري يخترق الأسوار.. شعرت بهذا حين قرأت رضوى عاشور.. كنت أرفرف (تضغط على أحرف كلماتها) بألم.. أرفرف بألم.. ما الذي يؤلمني؟ الرفرفة أم السجن أم.. دعونا مني الآن؟ فلديكم ما يكفيكم.. وأنتم جئتم هنا للفرار من هذا العبث القاسي الذي يلف الدنيا.. أعرف الأخبار كلها.. حتى القصص التي يهمس بها الناس سرًّا...مثلاً عندما قتل ضابط مباحث وسارعت الصحف بأن هذا من إحدى الجماعات الإرهابي وبالفعل تبنت جماعة إرهابية هذا القتل.. ثم اكتشفوا أن القتلة هم جماعة من البلطجية.. الأغرب أن حريقًا التهم مصنعًا وحين حاول صاحب المصنع شرح أن ذلك بسبب خطأ في الصيانة، همس له أحدهم: اجعلها مِن فعل الإرهاب.. الإرهاب.. باسم الإرهاب يتمدد الأمن سرطانًا في كل شيء.. وباسم الدين نقتل كل شيء.. أوه.. عذرًا.. غلبتني الحكايات.. فاعذروني.. قلما يقابل السجين أحدًا.. (تنصت) هذا سؤال أحاول معرفته أيضًا: لماذا أنا هنا؟ أظن أنها طرفة تستحق الرواية.. يرفض الدستور تقييد الحرية ونحن كذلك.. فهل تصدقون أن الدستور حرٌّ ونحن في السجن؟ (تميل برأسها للأمام قليلا وتنصت) وجهة نظر سديدة أيتها السيدة.. الدستور أيضًا سجين.. حبر لا يستطيع أن يكون إطارًا.. إذن نحن والدستور سجناء.. لكنه بلا أم ولا أب ولا إخوة ولا أصدقاء.. أما نحن.. سبع زهرات في السجن.. لأننا قلنا.. لا في وجه من حاول أن يلبس وطننا الكفن (صمت.. تتحرك يارا للخلف خطوتين وهي ما تزال تعطي الجمهور وجهها) من نحن؟ قتلة ثوار.. سرَّاق مال الدولة.. تجارٌ في الدم وفي العرض وفي الأرض.. بعنا الغاز للأعداء.. أحرقنا آلاف الأكباد بالمبيدات المسرطنة.. من نحن؟ بناتٌ في مواجهة القيد.. من نحن؟ ربما لم يلتفت أحدٌ لأهم ما فينا نحن سبع بنات، هذا الرقم يدل على الاكتمال.. على الحدود التي لا يمكن تخطيها.. أما كوننا إناثًا فالأنثى لا تموت هي أرض الحيوات القادمة.. (صمت) سألتني السجانة ذات الثلاثين ربيعًا: من أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ المسكينة لم تفهم شيئًا مما قيل لها عن سبب حبسنا.. وحين علمت أنني محامية سألتني.. بماذا تتوقعون أن أجيب.. السيدة تعرف أن هناك ثورة.. وأنرجال القانونيقولون إن هناك قانونًا مخالفًا للإنسانية اسمه قانون التظاهر.. وقبل أن تسألني جلست أمام التلفزيون واستمعت إليهم وهم يقولون إنه قانون معيب.. هي إذن تعرف.. لكنها لا تستوعب كيف ننفذ مطالبهم ويحبسوننا؟ وماذا يفعلون مع من يخالفهم إذن؟ يا سادة الأمر معقد جدًّا.. أولا نحن لا ننفذ مطالبهم.. ثانيًا هم يريدون هذا القانون وأسوأ.. بالطبع لا أقول هذا للسيدة السجانة.. لا خوفًا بالطبع.. لكنها بتعليمها المحدود وثقت بنا.. نحن الزهرات السبع.. تسألنا عما لا تستوعب.. ونحن نحاول أن نطمئنها.. فقط نطمئنها.. لا يمكنكم أن تتخيلوا مدى بشاعة العالم حين يفهم العاجز.. إنه يحتاج أولاً إلى الاطمئنان.. وربما يكفيه هذا إلى أن يرتاح في قبره.. وربما يدفعه الاطمئنان إلى الاستيعاب شيئًا فشيئًا.. حتى يحين أوانه.. نقول للسيدة السجانة في فترات الثورات تحدث الاضطرابات.. فربما يقتل الأخ أخاه.. والأب بنيه.. نربت على كتفها حين تحكي لنا عن الموت المجاني في الشوارع.. وعن سموم الفضائيات..لكنها كثيرًا ما تبكي.. وحين نمسح بأناملنادمعها تتصنع الابتسامة وتردد: نحن السجناء يا زهرات الحرية.. تنفلت الضحكة منا.. زهرات الحرية.. من أين جئت بهذا التعبير.. هل تعتقدون أنني جاهلة؟ أنا حاصلة على دبلوم؟ وبمرارة دامية تكمل: فككت الخط في الشهادة الإعدادية.. هل قرأتم عن بوعزيزي.. دعكم من صفعته الشرطة.. فأحرق نفسه. فتفجرت الثورة.. فالشرطة لا تكف عن الصفع والناس لا تجرؤ على الانتحار، والثورة لا تتفجر لهذا ولا ذاك.. ما يهمني هو بوعزيزي الذي يجيد الفرنسية والإنجليزية وبالطبع العربية.. أما هنا فلدينا مسؤولون لا يفكون الخط.. هل أعود إلى هند؟ الفتاة التي لم تجد عملاً سوى سجانة.. ومكنها هذا العمل من أن يقف الخاطبون ببابها.. رجل الشرطة التي خافت من رزقه الحرام.. ورجل الجيش الحاصل على الإعدادية وراتبه يفوق أستاذ الجامعة (هذا تعبيرنا حين نطقت هند بالراتب.. وقد أحضرت لنا ورقة فيها رواتبهم الفلكية.. عاوز أديك بس مش قادر.. فرقٌ كبير بين القدرة والرغبة.. لم يتغير شيء إلا إلى الأسوأ.. هكذا قالت واحدة منا وهي تكور ورقة الرواتب وتلقيها في.. في.. في مكان نضع فيه القمامة.. ليس سلة بالطبع.. المهم أن كل شيء يبدو انه ليس على ما يرام.. أن هذا ما يقلقنا جميعًا.
عذرًا يا سادة؛ فأنا اقلقكم بحديث ربما يكون ثقيلاً على الكثيرين منكم الذين جاؤوا إلى هنا للاستمتاع بمشاهدة عرضٍ راقص وحكايات مسلية.. لكنه حظكم العاثر.. فتحملوني قليلاً.. ما رأيكم لو عرفتكم بنفسي قبل أن أدخل هذا السجن.. أنا يارا سلام حاصلة على الماجستير في القانون.. نعم حاصلة على الماجستير في القانونومع ذلك في السجن.. هذا يشبه أن من استفاد من الثورة هم قتلة الثوار.. وأن يقرر الرئيس الإفراج عن سجناء الرأي فيخرج فيما سمعنا أعضاء الجماعات المسلحة.. ويشبه أن تهتز الدنيا لمقتل كلب ولا تأبه لموت آلاف الأطفال والشيوخ من الإهمال في المستشفيات و.. و.. (صمت) أبي هو الشاعر والمترجم رفعت سلام الرقيق كغيمة، الصبور كصانع حصون عنيد، وأمي راوية صادق.. نعم الراوية الصادقة أستاذة ومترجمة.. لهذا أنا هنا.. فلا يمكن لهذين أن ينجبا بطة هادئة أو نجمة فيديو كليب.. لا ينجب هذان إلا محامية تلقى في السجن لأنها تطوعت للدفاع عن موكلها المتهم ظلمًا..
(تنصت كأن أحدًا من الجمهور يكلمها) كيف نتجاوز ما نحن فيه؟ هل تصدق؟ كل ليلة أسأل نفسي هذا السؤال.. ولا جواب.. لكنني سأسأله كل ليلة لنفسي ولصديقاتي.. ولكم.. انتظروا (تتحرك تتبعها بقعة الضوء، تجلس تضع الكتاب وتخرج دفترًا.. تعود إلى مواجهة الجمهور، ترفع الدفتر قليلاً) يحب أبي الدفاتر.. ويسجل كل شيء بهذا (ترفع قلم رصاص) الشعراء أمرهم غريب.. يكتبون ب(القلم) الرصاص وهو سهل المسح.. لا أدري لماذا؟ لتفكروا معي.. أبي رفعت سلام.. لماذا تكتب بهذا القلم؟ لا.. لا يليق بي ما دمت ذكرتك أن أسألك.. بل أن أقول لك: أحبك.. أبي، إنني مشتاقة إليك.. سأداعبك بمسح حواف الكراسة البيضاء بالممحاة.. هل ستقطب جبينك؟ هل ستتظاهر بالغضب؟ افعلها وسأقبلك.. هل تعرف يا أبي أنني أخطأت كثيرًا في حقك.. لم تكن جلساتنا قط في برنامجي.. لا أسميه عقوقًا.. وهنا فهمت سببه.. إنه ترف الاطمئنان.. فأنت هنا دائمًا.. أقصد كنت هنا (تمسح دمعة، وتباعد بينها وبين دورها) لا أريد أن يرى أبي دمعي..
لماذا أريد أن أخرج؟ هل سأترك بلدي حين تفتح أبواب السجن لي؟ هل سأسافر لإكمال دراستي؟ الآن وسط هذه القضبان.. أفكر في شيء واحد.. أن أعود إلى أحضان أبي وأمي.. أمي.. راوية صادق.. لا أظنها ستتركني أخرج إلى الشرفة.. هذا ما ينقص أمهات هذا الزمان أن يربطن أبناءهن.. حتى لو شبوا عن الطوق.. شب عن الطوق.. استغربت هذه الجملة.. فربتت أمي على كتفي وهي تقول.. كانت العرب تخاف على أبنائها من الصحراء وما فيها لذلك يوضع طوق مربوط بالخيمة.. يزحف الطفل.. إلى أن ينتهي الحبل.. فيتوقف الطفل عن الابتعاد.. الآن بم ستقيدنا أمهاتنا؟
هل كان لا بد أن نصل إلى هنا؟ ملايين الأسئلة التي تحاورني.. لكنني مشتاقة إلى أن أكتب رسالة.. لمن سأكتبها.. لأبي.. لأمي.. (تنصت) نعم.. تريدون أن أكتب للحاكم.. إذن لحظة.. لا يليق أن أكتبها برصاص أبي ودفاتره.. (تعود إلى أشيائها، تخرج ورقة وكلمة تبدأ في الكتابة)
سيديالحاكم.. (صمت) أكتب إليك من محبسي.. كنت أريد أن يطلع قاضٍ على أوراق الاتهام وأن يقارنها بخطاباتكم قبل الرئاسة وحتى الآن.. هل أستحق أن أسجن؟ أريد الحرية للمواطن المقيد. (تتوقف، وتقرأ بعينيها ما تكتب) لا بد أن أشطب "سيدي" هكذا.. ثم لماذا أحدد له مكاني (تشطب) ومن الذي اطلع على أوراقي غير قاضٍ (تشطب) وهل سيقبل مني أن أحدد مطلبي (تشطب) ألم يعد بأن نخرج من السجون ولم ينفذ أحد (تشطب كلمة الحرية) هل تصلح الرسالة هكذا (تقف وهي توجه وجه الرسالة للجمهور) الحاكم المقيد.. هذا ما تبقى.. هل تصلح أن أرسلها؟
لا بد من رسالة.. أريد أن أكتب لأبي على شرط ألا يبكي.. أبي الشاعر الذي يحاول أن يتجلد وهو يرسم وردة جميلة في مواجهة الفوضى.. تخيلوا لم أكن أعرف أبي.. كنت دائمًا أنظر إليه على أنه ذلك الحصن المنيع الذي لا يهتز.. حتى ألقيت نفسي في حضنه في أول زيارة وأنا سجينة.. كنت لا أريد أن أخرج منه.. أكلم ضلوعه أن تنفرج قليلاً لتسعني.. فيرد قلبه: تجلدي يا بنت روحي.. أقول لقلبه تعبت يا أبت، فيقول لي: هل تتعبين وأنا أبوك.. أصدقكِ القول يا بكبوك.. وأنا تعبت.. يغادرني أبي رغمنا.. ثم أقرأ ما كتب (مغمض العينين تتحدث) كانت الدموع في عينيها والضحكة في وجهها، في آن، وهي ترتمي في حضني، طويلاً طويلاً، لا تريد الخروج، ولا أريد لها الخروج. لم تكن الدموع بُكاءً أو حزنًا، بل لغة سرية لا يستوعبها سواي وسواها، تقول ما تعجز عنه اللغات، ما لو نطقت به لبدا سُخفًا وهذرًا وابتذالاً للحالة والمقام.. فهل كانت دموعها أم دموعي؟
لا بد من رسالة.. أريد أن أكتب لأمي على ألا تحرق تنهيداتها قلبي.. يكفي أن أذكرها فأراها وحيدة في غرفة مكتبها.. تنظر لصورتها وتشيح بوجهها للحائط كي تطلق زفراتها.. أنا آسفة لهذا الألم يا حبيبتي.. وليس بيدي.. أنت من ربيتني على هذا.. أقرأ ما كتبت رفضًا لأن يكون خروجي مهينًا: لا أحد يريد ليارا أن تكون خارج السجن أكتر مني أنا ووالدها وأختها وأهلها وأصحابها. لكن لا بد أن تخرج بكرامتها من قضية مهترئة قانونيا، ومن تبعات قانونين (البلطجة والتظاهر) موجودين لوأد أي معارضة حقيقية ولسيادة الرأي الواحد. يارا لم ترتكب ذنبًا كي تحصل على عفو، يارا وزميلاتها وزملاؤها أحرار ويستحقون البراءة.. الذي يريد حل المشكلة يوقف العمل بقانون التظاهر وقانون البلطجة ويسرّع من النقض كي تعاد محاكمتهم بشكل صحيح.. (صمت) يا إيزيس الصابرة.. كم دمعة كتمت وأنت تكتبين هذا؟ يا أمي.. يا حبيبة..
لا بد من رسالة.. أريد أن أكتب لأختي على ألا يملأ وجهها الحزن.. تأخذ دائمًا يدي.. لا باعتبارها الأخت الكبرى.. بل الملاك الحارس.. في زيارتها الأخيرة كادت تعنفني: أهذا شعر.. كيف تفسدين تسريحته بهذه السرعة.. تعالي هنا..
لا بد من رسالة.. أريد أن أكتب.. أريد أن أكتب.. فالكتابة فعل تحريريٌّ لي ولمن يقرأ، هكذا علمني أبي وأمي.. الكتابة هي الفيضان في مواجهة القيود.. الآن.. سأوقظ الأميرات الحسان.. أقف هنا معكم.. وأكتب ما نتفق عليه.. (تعود إلى الوراء وتبدأ في النداء، والحركة كأنها توقظ أشخاصًا) هيا يا حسناوات.. هيا أبناء إيزيس.. سنوقظ الفتى بضحكاتنا وكلماتنا.. آن أن يقضي جلجامش على خمبايا وأن يزين أوروك.. آن لأحمس أن يسترد مصر.. آن لدرة الدنيا وزينتها أن تستيقظ من رقدتها.. آن للمصري أن يهتف: ارفع رأسك فأنت مصري.. هيا يا أخوات حورس.. هيا يا سناء سيف، ويا حنان مصطفى محمود، ويا سلوى محرز، ويا سمر إبراهيم، ويا ناهد شريف، ويا فكرية محمد. (تخرج دفتر يوميات أبيها وقلم رصاص)
نحن الفتيات، اللواتي قبض علينا في أثناء تنديدنا بقانون التظاهر الجائر، لأنه قيدٌ يفرض على طائر حطم قفصه لتوه، ولأنه علامة على طغيان جديد، نحن قررنا مواجهة رعبٍ آخر سوف يجيء، وسنقاوم عودة ذي الوجه الكئيب.
نحن الآن في السجن.. هذا لا يهم.. لسنا مقهورات.. لا نكتب لك كي تحررنا.. فنحن حرائر بما يكفي لإرعاب كل الطغاة (تتوقف عن الكتابة) لماذا يأخذ الطغاة الطريق نفسه كل مرة؟ ألا يفهمون؟ ماذا لو فهم الطاغية؟ (تنصت) حاضر ساعود إلى الكتابة.. قلن ماذا أكتب (تعود إلى الكتابة وتتحدث أنها تردد كلاما يملى عليها) لا يفهم الطغاة أن الثورة ليست أشخاصًا يقتلهم أو يعتقلهم أو يشوههم.. الثورة ليست قناة تغلق أو إعلاميًّا يشترى أو يسجن.. الثورة بركان حان تفجره.. فتفجر.. وكل ما يفعله الطغاة أنهم يبنون حصونًا من ورق مهترئ.. ستأكله الحمم اللاهبة.
هذه رسالتنا.. ولتعلم أننا لم ننه دورنا.. وأننا قادمات من خلف القضبان.. لا تتوسل لتحريرنا.. وابذل جهدك لتحريرك أنت.. (تقف يارا) هكذا انتهت الرسالة بقي أمران.. (تعود إلى حيث يفترض وجود البنات) وقعن يا بنات (تدور كأنها تجمع التوقيعات.. ثم تتحرك لتواجه الجمهور) تبقى أمر واحد.. أن نكتب المرسل إليه.. (تنزل إلى الجمهور) إنه أنتم.. الشعب الحر السجين.
ستار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.