نعم كانت هناك جائزة متوقعة عززها حضور إلهام شاهين إلي مهرجان مسقط السينمائي السادس مع مخرجة فيلمها (واحد/صفر) الموهوبة كاملة أبوذكري.. وساعد علي ذلك قلة عدد الأفلام المشاركة وكان معروفًا مسبقًا بأن المنافسة لابد وأن تشتعل أيضًا مع الفيلم المصري «عصافير النيل» للمخرج مجدي أحمد علي الذي حضر كذلك ولحق به بطل الفيلم فتحي عبدالوهاب.. وكانت جومانا مراد ترأس لجنة التحكيم التي ضمت عددًا من الشخصيات الفنية المحترمة من هنا وهناك.. أقول هذا وأنا أعرف مقدمًا بأن رأي جومانا وانحيازها لم يكن يمثل إلا صوتها فقط.. في ظل وجود فيلم سوري منافس هو «الليل الطويل» للمخرج حاتم علي» وهو عمل مهم. صحيح أن أغلب الأعمال المشاركة نالها من التقدير بعض الشيء أقلها شهادة تقدير وأغلاها الخنجر الذهبي وهو الجائزة الرئيسية إلي جانب الفضي والبرنزي. وصحيح أن الفيلمين المصريين حصدا الكثير من الجوائز.. من هنا وهناك إن كان (واحد/صفر) له الأولوية نظرًا لأقدمية عرضه.. لكن «عصافير النيل» يمتلك عناصر مهمة تؤهله للمزيد من التقدير والحفاوة.. فهو عمل يرد السينما إلي الأدب مجددًا بعد طول غياب تميزت فيها «بقلة الأدب» فقط.. فهو مأخوذ عن رواية للكاتب إبراهيم أصلان والجديد هنا كتابته للحوار بينما كتب السيناريو مخرج الفيلم مجدي أحمد علي وحافظ إلي حد كبير علي الروح الروائية البديعة وساعده علي ذلك استخدام الراوي مما أعطي للفيلم مذاقًا متميزًا.. لكن يظل الأهم أن الفيلم الذي يدور في حواري «إمبابة» لا يقدم الفقراء كحثالة يعيشون في مستنقع من الفساد والانحطاط كما تعودنا من أفلام العشوائيات لكنه هنا يحنو ويطبطب ويقدم شخصياته باعتزاز بالغ حتي أن محمود الجندي موظف البريد يقدم منولوجًا بالإنجليزية لشكسبير في لمحة استثمرها مجدي بذكاء وكانت مدهشة وإن بدت للبعض خارجة عن السياق الدرامي.. إلا أنها لمحة بليغة ومحترمة والاختيار لا يبتعد عن المسار الروائي بل يعززه ويقويه. وأنا شخصيا كنت انتظر جائزة للقديرة «دلال عبدالعزيز» وأيضًا للكبير محمود الجندي.. فكلاهما بلغ ذروة الأداء والليونة في امتلاك مفاتيح الشخصية في مراحلها المختلفة وانحيازي لدلال وللجندي لا يأتي من الأداء الجيد للدور.. ولكنه يؤكد فشل نظرية تقسيم الممثل بين سينمائي وتليفزيوني.. وبالتالي فشل نجومية الشباك والباب.. فالفن هو الفن.. تختلف الوسيلة.. والنتيجة واحدة.. وهنا أتوقف مع دلال بصفة خاصة التي تقدم درسًا بليغًا في ثقافة الممثل.. فقد أدهشت الجميع عندما رأيناها وهي في قمة النجاح والنجومية تتجه إلي الدراسة وتبدأ سلم التعليم بوعي حقيقي نادرًا ما نجده في الوسط الفني خاصة بين الممثلات اللاتي يجعلن «الحلاوة» سلاحهن الأول والأخير.. وأظن أن دلال كانت ولا تزال تمتلك منها الكثير ولهذا يراهن عليها مجدي أحمد علي بقوة بعد أن التقي بها من قبل في فيلم «أسرار البنات». وبالمناسبة أنا ضد نظرية أن يحتكر النجم أو النجمة في المهرجانات العربية جوائز التمثيل بضمان الاسم والتاريخ فالقاعدة التي تعمل عليها لجان التحكيم مختلفة وهي لا تنظر إلي الفيلم الجيد بمعزل عن باقي الأفلام المنافسة.. ويفترض فيها أن تكون قادرة علي النظر إلي كل عنصر في الفيلم بعين مجردة خبيرة.. فلا تحكم علي العمل بالجملة أو «حتة واحدة». لقد ذهبت جائزة التمثيل بعيدًا عن إلهام ودلال والجندي لكن المنطق يقول غير ذلك ففيلم «عصافير النيل» حصل علي جائزة الجمهور وهي الأهم بخنجرها الذهبي وقيمتها أنها ترد الفيلم كله بعكس لجان التحكيم كما أن (واحد/صفر) فاز بجائزة أفضل فيلم متوفقاً علي جميع الأفلام المنافسة وهو يستحق. لهذا أضم صوتي إلي الجمهور.. واخترع جائزة جديدة أقدمها إلي «دلال عبدالعزيز» وهي «خنجر الاحترام» لفنانة لامعة قررت وهي في مكانتها أن تتعلم فإذا بها تعلم غيرها لو كن يفقهن.. وأمنح «خنجر الجدارة» إلي «محمود الجندي» لحضور المتوهج في كل لقطة، وامنح «خنجر الوعي» إلي فتحي عبدالوهاب الفتي الذي يعرف جيدا أن الممثل لوحة لن يكتمل إبداعها وتألقها.. إلا بألوان المعرفة والثقافة والاكتشاف.. وأمنح «خنجر الثقة» لإلهام شاهين التي تقول في فيلم (واحد/صفر) إن الأدوار التي تبدو للأغبياء صغيرة لا يعرف قيمتها وأوزانها إلا «الأكابر»..!