وزير السياحة والآثار يشارك في الجلسة العامة الثالثة للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة بالرياض    عاجل- رئيس الوزراء يتابع الموقف المالي للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي ويبحث سُبل تعظيم الإيرادات الاستثمارية    تصعيد إقليمي متعدد.. غارات إسرائيلية على غزة ولبنان ومحاولة دبلوماسية لفتح ممرات آمنة    بي بي سي تعتذر: سوء تقدير في تحرير وثائقي ترامب    عاجل.. تشكيل منتخب مصر الرسمي أمام إنجلترا في كأس العالم للناشئين    رسمياً.. تأجيل مباراة الأهلي وسموحة في كأس السوبر لكرة اليد    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو صادم بالشرقية    المتحف المصرى الكبير يعلن إستقبال 12 ألف زائر من المصريين والأجانب    إلغاء المئات من الرحلات الجوية في أمريكا في ظل الإغلاق الحكومي    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    جامعة كفر الشيخ تستقبل طلاب ريادة الأعمال الجدد وتكرم المتميزين    محافظ الإسكندرية يُدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 ويدعو للمشاركة الإيجابية    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    تشييع جثماني شقيقين إثر حادث تصادم بالقناطر الخيرية    محافظ المنوفية يزور مصابى حريق مصنع السادات للإطمئنان على حالتهم الصحية ويوجه بالمتابعة اللحظية وتسخير كافة الإمكانيات الطبية    محكمة بباريس تعلن أن ساركوزي سيُفرَج عنه تحت المراقبة القضائية    بعد تصريحاته في الجزائر.. شاهد اعتذار ياسر جلال للمصريين: كنت غلطان    الأربعاء.. فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا فى مركز محمود مختار بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    3272 متقدما فى اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    اشتريت سيارة ووجدت بها عيبا فهل يجوز بيعها دون أن أُبين؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    فيلم «عائشة لا تستطيع الطيران» يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش    بدور القاسمي تشهد إطلاق كتاب الشارقة: عاصمة الثقافة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    «درس أرنولد ومعانقة الذهب».. قصة ظهور زيزو الأول ضد الزمالك    بتكلفة 2.37 مليار جنيه.. وزير التعليم العالي يتفقد مشروعات جامعة الأقصر    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لسارقي الآثار بالشرقية    وزارة الصحة توفر الرعاية الطبية للناخبين أمام لجان الاقتراع فى الأقصر وأسوان    العرجاوي: إعفاء الصادرات المصرية من الجمارك الصينية خطوة استراتيجية لتعزيز الشراكة بين القاهرة وبكين    «غير مستقرة».. آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد نقله للعناية المركزة    لقاء الشرع بأشد الداعمين للكيان الإسرائيلي في واشنطن يثير الجدل، والنشطاء: بداية تنفيذ مطالب أمريكا    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    من المتحف الكبير لمعرض فى روما.. كنوز الفراعنة تهيمن على العالم    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    انطلاق برنامج «مشواري» لتنمية مهارات الشباب في الشرقية    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    سعر الذهب اليوم فى مصر يسجل 5420 جنيها للجرام عيار 21    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    نفذوا جولات استفزازية.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    الزمالك يترقب القرار الرسمي من فيفا لإيقاف القيد بسبب قضية ساسي    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    تيك توكر في مالي تُعدم علنًا بتهمة التعاون مع الجيش    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات على الوجهين القبلي والبحري    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«باب الخلق».. سمك لبن تمر هندي
نشر في القاهرة يوم 04 - 09 - 2012

كنت في زيارة للصديق محمود عبدالعزيز منذ أكثر من عام سألته عما سيقدمه في شهر رمضان كان آخر عمل له من مسلسلات الفيديو مسلسل «محمود المصري» لم يحظ المسلسل بنجاح مثل النجاح الذي حصل عليه مسلسل «رأفت الهجان» كان محمود مترددا في اختياره. هو نجم كبير في السينما وفي التليفزيون سمعت أنه رفض أعمالا كثيرة، يريد مسلسلا يعود به بعد هذه الغيبة التي تقترب من العشر سنوات أو ربما هي ثماني سنوات علي وجه التحديد. أجابني محمود عبدالعزيز أنه اختار مسلسلا قرأ ملخصا له ولبعض الحلقات بعنوان «الملك» أخذ يحكي لي حكايته، أحداثه تدور في الريف أشفقت عليه من مسلسلات الريف، سبق وأن قام في بداية حياته الفنية ببطولة مسلسل «البشاير» من تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف كانت أحداث هذا المسلسل تدور في الريف، لم يلق المسلسل نجاحا ونسيه الناس، لم ينجح من مسلسلات الريف في تاريخها سوي ثلاثية «الساقية» التي كتبها فيصل ندا وأخرجها نور الدمرداش عن رواية من أجزاء خمسة أو أربعة لست أذكر تماما لعبدالمنعم الصاوي. وأذكر أن المخرج محمد النقلي اقترح لي إعادتها فإذا بي أتذكر أنها عن عمدة في إحدي القري تزوج بأربع نساء. ليست من أهل الريف فقد ولدت وكبرت وأكلت وشربت في مدينة القاهرة وخاصة في أحيائها الشعبية، ولذلك فأنا أعلم كل كبيرة وصغيرة عن أهل هذه الأحياء وأشعر بمتعة كبيرة وأنا أكتب عنهم، وتلقي هذا النوع من المسلسلات إقبالا من الجماهير حتي من أهل الريف، ولذلك سعدت جدا عندما علمت بعد ذلك أن محمود عبدالعزيز صرف النظر عن مسلسل «الملك» الذي كتبه سيناريست جديد يدعي فتحي الجندي. وعندما شاهدت جزءا كبيرا من مسلسل «كاريوكا» الذي كتبه هذا الكاتب أدركت أن محمود عبدالعزيز نفد بجلده، حاول أسامة أنور عكاشة أن يخترق النحس الذي يلازم هذا النوع من المسلسلات فكتب جزأين من مسلسل «المصراوية» من إخراج إسماعيل عبدالحافظ فكأنما حفر قبره بيده، طلبت منه الشركة التي قامت بإنتاج الجزأين أن يتوقف عن كتاب الجزء الثالث فقد تكبدت في إنتاجهما خسارة فادحة. علمت أن محمود عبدالعزيز اختار مسلسلا آخر بعنوان «باب الخلق» ففرحت له لأنه سوف يعود بمسلسل شعبي لكن عندما علمت أن المخرج هو عادل أديب الذي أخرج له فيلم «ليلة البيبي دول» اقشعر بدني من جراء قلق انتابني أدركت أن الموضوع ربما اسمه «باب الخلق» كنوع من التمويه، المهم أنني تخلصت من قلقي ومخاوفي ووضعت المسلسل في برنامج مشاهدتي لبعض أعمال رمضان واكتفيت بأن يقوم أفراد عائلتي بتسجيل ما قررت تأجيله لما بعد الشهر المبارك. شاهدت للأسف مسلسلا كان يجب أن يسمي «سمك لبن تمر هندي» ولا أعرف لماذا كنت في كل حلقة أتذكر فيلم «ليلة البيبي دول» الذي لم أستطع حتي الآن أن أفك طلاسمه، بل إن حالة هذا المسلسل تشبه حالة مسلسل «فرقة ناجي عطاالله» فقد ثرثر عادل إمام كثيرا عن معظم القضايا العربية أما محمود عبدالعزيز فقد صاح وخطب خطبا كثيرة وأطال ذقنه أحيانا وحلق ذقنه أحيانا وارتدي جميع أنواع الثياب من الثياب الأفغانية حتي الثياب المصرية الشعبية وثياب الجماعات الدينية البيضاء وثياب رجال الأعمال الأثرياء وتحقيقات مباحث أمن الدولة مثل الموسيقي التصويرية مستمرة طوال المسلسل. الغريب والملاحظ أن الإعلام في المسلسلات المصرية لا يزدهر إلا في شهر رمضان، كل من لديه كلام في السياسة يقوله في مسلسلات هذا الشهر، السياسة والمجون والرذائل والشتائم كثيرة في هذا الشهر والدين شحيح.. في مسلسل «باب الخلق» تشعر بأن كلا في واد التأليف في واد والإخراج في وادي والتمثيل في واد، لم يمتعني في هذا المسلسل سوي تمثيل محمود عبدالعزيز وتوهجه، لم أر عادل إمام ممثلا في «فرقة ناجي عطاالله» بل منظرا متواضعا ولم يمهد نفسه في أي مشهد وكأنه يخشي علي صحته من الانفعال ولكن محمود عبدالعزيز كان يتفوق من مشهد لآخر، لكن كان مثل الطائر الذي يغرد بمفرده في عمل درامي من الممكن الاستغناء عن منتصفه وأقول لدينا الراقصة ألا تكتفي بالرقص وتريحنا من تمثيلها وصوتها الذي يثير الأعصاب؟ هناك مسلسلان أدار كل منهما ظهره للإعلام واتجه ناحية الفن وهذان المسلسلان يتشابهان في أن بطلتيهما في محنة، ولكن هذه المحنة لا تجعلها نصف بطلة إحداهما بأنها شخصية تراجيدية وهذا ما نجده في مسلسل «مع سبق الإصرار» أما المسلسل الآخر فهو مسلسل «قضية معالي الوزيرة» الذي تتوافر في بطلته عناصر التراجيديا. النبل والنقاء والنية الطيبة في الشخصية هي أبرز الصفات في الشخصية التراجيدية ثم يأتي بعد ذلك الخطأ التراجيدي أو «الهمارشيا» وترتكب الشخصية التراجيدية خطأها دون قصد أو معرفة، فنحن نري أوديب يقتل أباه ويتزوج أمه دون أن يعلم الحقيقة، وأحيانا يكون الخطأ التراجيدي نقطة ضعف في الشخصية يكون بمثابة كعب أخيل فنجد أن هاملت مصاب بالتردد والعقلانية المفرطة ومن النقاد من يفسرون تردده بأنه يعاني عقدة أوديب وأنه لا يريد أن يقتل عمه لأن عمه قام بالفعل الذي لم يستطع هو أن يقوم به وهو قتل الأب وعطيل يعاني مركب نقص بسبب لونه فهو لذلك يصدق ياجو حتي أن الشاعر الروسي العظيم بوشكين ينفي عن عطيل عنصر الغيرة وأنه لم يقتل ديدمونة لأنه غيور، لكن لأنه واثق بخيانتها له، ولير ملك عجوز افتقد الحكمة ويطربه النفاق، أما مكبث فهو موضوع آخر هو أمير نبيل وقائد منتصر ولكنه إنسان ضعيف أمام زوجته التي تمتلئ نفسها طموحا ولذلك فعندما ترسل الأقدار رسل الشر علي هيئة ساحرات ثلاث يبشرنه بالمجد الذي ليس من حقه تتمسك ليدي مكبث بنبوءات الساحرات وتحرض زوجها علي تحقيقها بقتل الملك وقتل أصدقائه وأولادهم. وقد يتساءل سائل كيف نعتبر مكبث شخصية تراجيدية رغم ارتكابه كل هذه الجرائم مع سبق الإصرار؟!. نقول إنه كان في الأصل إنسانا نبيلا ذا نية طيبة ولكنه يعاني الضعف الإنساني، يقول الناقد العظيم أ. س. برادلي في كتابه الخالد «التراجيديا الشكسبيرية» بأن معاناة مكبث بعد ارتكابه جرائمه هي التي جعلتنا نخاف ونشفق عليه ومن ثم يتحقق التطهير. ونحن نجد المواصفات التراجيدية في شخصية بطلة مسلسل «قضية معالي الوزيرة» فهي إنسانة نبيلة وناجحة في عملها حنونة علي أولادها وكل من حولها، وتظل بعد وفاة زوجها عاكفة علي عملها وتربية أولادها إلي أن تقع في الحب، تسوق لها الأقدار شخصية شهيرة تجرفها إلي قصة حب عنيفة دون أن تعرف حقيقته وعندما تتعرف علي نتيجة فعلها تقع المأساة لولا أن يلجأ المؤلف إلي ما يعرف في الدراما ب «العدالة الشعرية the poelic justice» أي أن ينال المجرم جزاءه وينصلح حال المجني عليها. يتميز هذا العمل بالاتزان والرصانة في كل شيء ويستطيع المرء أن يتعرف علي ما قامت به المخرجة رباب حسين فهي تتميز بالفهم والإدراك لطبيعة العمل التليفزيوني وتختار الأحجام المناسبة في لقطاتها وتتحرك الكاميرا عندها بوعي شديد مع إدارة عالية للممثلين لا نجدها في كثير من مسلسلات هذا العام حيث نشعر أحيانا بأن كل ممثل يفعل ما يريد أن يفعله وربما ساعدها علي ذلك المستوي العالي لمعظم الممثلين عندها خاصة إلهام شاهين، عاشت إلهام شاهين داخل الشخصية وقدمتها لنا في بساطة جعلتنا نشاركها أفراحها وأحزانها كان التعاطف معها قويا أحسست أنا شخصيا أنها كانت تشعر بأنها في يد أمينة، يد مخرجة تعلم جيدا ما تفعله وتسيطر علي كل كبيرة وصغيرة في المسلسل فجعلت من إلهام شاهين أفضل ممثلة في هذا العام. أما بالنسبة لمسلسل «مع سبق الإصرار» فنحن نجد البطلة محامية حاصلة علي الدكتوراه في القانون وتقوم بتدريسه لطلبة كلية الحقوق ولكنها ترتكب الأخطاء بالسليقة، وهي تفتقد النبل والنقاء والنية الطيبة وكل ما في داخلها ينحو إلي الشر الذي لا نجد له تبريرا في الأصل، فهي شخصية فاسدة في الأساس وتستمر في فسادها فهي تتعمد اختيار زوج فاسد بدافع الثراء ثم تثور عليه في الوقت الذي تتخذ فيه عملها بالقانون وسيلة لمناصرة الجاني وذلك من أجل المال، وحيث إن التراجيديا تقوم بتطهير النفس عن طريق الخوف والشفقة، فنحن نجد أن هذه الشخصية تفتقد هذين العنصرين فيتحول الأمر عند المتفرج إلي إحساس بالكآبة، وليست بطلة هذا المسلسل هي الشريرة الوحيدة حيث نجد أنه يمتلئ بالشخصيات الشريرة التي لا يمكن أن يتعاطف معها المتفرج وتنبع الكآبة من الأحداث المفجعة التي تتكاثر في المسلسل دون أن يكون لها فاعلية في خلق الإحساس التراجيدي، وكان علي المؤلف أن يفهم الفرق بين التراجيديا والكآبة. وقد أدلي في أحد الأحاديث بأن مسلسله يعالج موضوع العدالة، وقال حديثا يثير الضحك، كان عليه قبل أن يضع في ذهنه هذا الموضوع أن يقرأ الأعمال التي تعالج العلاقة بين القانون والعدالة كما نجد في رواية «البؤساء» لفيكتواهيجو ورواية «بيلي بد» لهرمان ملفيل أما ما شاهدناه في المسلسل الذي كتبه مجموعة من الشخصيات الشريرة تتصادم مع بعضها بشكل ميكانيكي وليس حتميا كما يحدث في أي عمل فني. ونحن نعلم أن كل ركن من أركان العمل الفني يجب أن يتلاءم مع غيره وأن تكون وظيفة درامية أو بمعني آخر وظيفة فنية داخل العمل، فالديكور مثلا في مسلسل «مع سبق الإصرار» بالغ في المساحات الداخلية وفي الفخامة بحيث من الصعب تصديق وجوده مهما كان الثراء المادي لأصحاب المكان، فهو يبعد المسلسل عن واقعية حدوثه ولماذا ينطق هكذا بالبهجة في حين أنه كان من الأفضل أن يعكس الواقع النفسي للشخصيات، فالمبالغة في الفن تفسد العمل وتبعده عن التأثير، للأسف فإن مهندس الديكور قام بعزف منفرد وحقق ما قاله أرسطو وهو «الممكن المستحيل». وعندما نتأمل حوار مسلسل «مع سبق الإصرار» فإننا نتأكد تماما أن المؤلف لم يقرأ كتابا واحدا عن أصول الدراما تماما كما سلف وإن أشرنا بعدم معرفته الفرق بين التراجيديا والكآبة، فالحوار عامة لا يناسب الشخصيات ونجد أن كل الشخصيات تتحدث بنفس مستوي الحوار، فإن أستاذة القانون تتحدث مثل أي ساقطة من الشارع فلم تطور ثقافتها الرفيعة ولم تهذب من شخصيتها، وما هذه الشتائم الكثيرة ونحن نعلم أن الفن انتقاء وتقنين وأن التليفزيون يختلف عن السينما والكلام في هذا موضوع آخر يحتاج إلي صفحات عديدة. ما هذه الهيئة التي يبدو فيها ماجد المصري صاحب شركة كبيرة للأوراق المالية فهو يبدو وكأنه لم يذهب إلي الحلاق منذ شهور، إن هيئته بهذا الشكل لا يبعث علي الثقة به من ناحية العملاء، وكذلك الممثل الشاب الذي قام بدور خطيب ابنة المحامية فكيف بمنظره البشع هذا يجعل فتاة جميلة رقيقة ابنة عائلة محترمة تعجب به، كان الأولي أن تخاف من منظره لا أن تقع في حبه، إذا أراد المخرج أن يرسم شخصياته فيجب أن يرسمها، بحيث تتلاءم مع الأحداث حتي تكون مقنعة. إن التمثيل في هذا المسلسل بوجه عام كان في حاجة إلي إدارة درامية سليمة بدلا من أن يشغل المخرج نفسه بتكوين الكادرات فإن التقنية السليمة لا تنفصل عن العمل وإلا وجد نفسه يغني بمفرده فإن بطلة المسلسل كانت عصبية دائما وتتحرك مثل عروسة الماريونيت تملأ الكآبة وجهها بداع أو دون داع. ربما كانت الحسنة الوحيدة البارزة هي التصوير لا بل هناك حسنة أخري وهي أداء الممثلة روجينا فهي الوحيدة التي يصدقها المتفرج في هذا المسلسل أما النصيحة التي أقدمها للمخرج محمد سامي أن يبتعد عن التليفزيون ويتجه إلي السينما فسوف يكون مخرجا عبقريا من طراز يوسف شاهين وسعيد مرزوق أما الإخراج التليفزيوني فهو لا يعلم عن قواعده إلا القليل، عليه أيضا أن يقوم بدراسة إدارة الممثل وتوجيهه وأرشح له كتاب الكسندرين «the fundamentals of Dramatic Directions» أما الممثلة عبير صبري فقد اخطأت الطريق إلي التمثيل. تابعت بعض المسلسلات من خلال تسجيلها علي شرائط الفيديو كاسيت حتي يتسني لي مشاهدتها بعد شهر رمضان كان من بينها مسلسل «خطوط حمراء»، وهو مسلسل يندرج أيضا تحت تصنيف الدراما الإعلامية، فهو يحاول أن يخفف من الهجوم علي رجال الشرطة ذلك الهجوم الذي حدث أثناء ثورة يناير ولايزال حتي الآن، أبرز المسلسل كفاح رجال الشرطة المرير واستشهادهم ضد تجار السلاح وتجار المخدرات، وكذلك عرض المسلسل لاتهامهم ظلما المتمثل في شخصية الضابط الشريف الذي أصبح المتهم البريء، والملل جيد المعالجة في أنه لم ينح إلي الإعلام المباشر، لكن أبرز عيوبه هو المسلسل في بعض حلقاته وعدم التطرق إلي
موضوعه بشكل سريع وكذلك ضعف أداء أحمد السقا في كثير من المشاهد، وأنا من جانبي أنصحه بأن يبتعد عن أفلام الحركة والأفلام التي تحتاج إلي تمثيل قوي ويتجه إلي الموضوعات الخفيفة مثل التي كان يقوم بها حسن يوسف وأحمد رمزي، أما أبرز حسنات مسلسل «خطوط حمراء» هو الممثل الأردني منذر ريحانة فهو ممثل أجاد دوره وساعدته ملامحه في نجاحه، أخشي أنه من الصعب الحصول علي دور جيد مرة أخري بسبب هيئته، أما المخرج الشاب فإنه يسير بخطوات واثقة وسوف يكون أفضل في أعمال الفيديو القادمة. وهناك أيضا مسلسل «الهروب» وهو أبرز المسلسلات الإعلامية عن ثورة يناير فإن موضوعه من أفضل الموضوعات التي تناسب المسلسل التليفزيوني وهو موضوع الهروب. الهروب في السينما أو في التليفزيون من الموضوعات التي تمتلئ دائما بالتشويق والإثارة فتجذب المتفرج وتثبته في مقعده، ويعطي هذا النوع الفرصة للكاتب والمخرج الانتقال من مكان إلي آخر مع تنوع هذه الأماكن مثل لجوء دكتور كمبل في فيلم «الهارب» إلي الاختفاء في مجاري باريس وبالمناسبة فإن هذا الفيلم مقتبس عن رواية «البراء». ولابد من احداث هذاالنوع من الايقاع السريع اللاه، وللأسف فإن مسلسل «الهروب» لم يحقق هذا العنصر وذلك لطول المشاهد التي تصل أحيانا إلي الخمس دقائق للمشهد وكثرة الحوار وتكراره رغم أنه اختلف عن معظم مسلسلات هذا العام فقد تطرق كاتبه إلي الدخول علي الفور في موضوعه، من حسنات هذا المسلسل أداء كريم عبد العزيز فهو يملك كل مقومات الممثل النجم ويستطيع أن يؤدي أدواره بكل ما تقتضيها من مرح وفرح وحزن مستغلا في ذلك تعبيرات وجهه والسيطرة علي صوته فيدخل علي الفور إلي قلوب مشاهديه، ولذلك فإني أراه أفضل ممثلي جيله من الشباب والفرق بينه وبين ما يأتي معه كبير، أما عبدالعزيز مخيون فهو ممثل عملاق يقنعنا دائما بأي شخصية يقوم بها ويستطيع أن يكون بؤرة الضوء في كل مشهد يظهر فيه. والخلاصة التي أخرج بها من كل ما شاهدته من أعمال أن الإعلام فيها كثير ويصل في كثير من الأحيان إلي الخطابة والمباشرة وطول المشاهد والتصنع، أما بالنسبة للفن فهو شحيح. ماذا عن الكوميديا؟ لماذا ينظر مدعو الثقافة والنقد الفني دائما إلي الكوميديا وكأنها رجس من عمل الشيطان، والغريب أن الأعمال التي تتصف بالكوميديا أو الفارس هي التي تفوز دائما باقبال الجمهور عليها وتأتي في المقدمة من ناحية كثافة المشاهدة. ومن يقول غير ذلك أو يدعي فهو كاذب اثيم بدليل مسلسل عادل إمام «فرقة ناجي عطا الله» فبصرف النظر عن قيمته الفنية فهو الأول بلا منازع في كثافة المشاهدة والأعلي في تكالب الإعلانات عليه يأتي بعده مسلسل «الزوجة الرابعة» ثم مسلسل «كيد النسا» الجزء الثاني، وبعد ذلك يستطيع أي مدع أن يرتب المسلسلات كما يشاء من ناحية كثافة المشاهدة وذلك حسب مواربته وتميزه واستفادته وجهله، ويؤدي هذا إلي وجود فجوة تتسع عاما بعد عام بين أحكام النقاد وأحكام الجمهور، وربما يتزايد عدد من يكتبون النقد الفني ومدعيه ولكن أعداد الجمهور تتزايد بالملايين فيجب وضع كل هذا في الاعتبار. فبالنسبة إلي نوع الكوميديا المسمي بالفارس «farce» نجد مثلا أن أحد قواميس الاصطلاحات الأدبية يري أنه «قطعة دراما المقصود بها اضحاك الجمهور دون اعتماد علي الحبكة والشخصية وإنما يعتمد علي المواقف المبالغ فيها وغير المحتملة الوقوع»، في حين نجد رأيا آخر يري أن الفارس «هو كوميديا صاخبة تتضمن حدثا وحوارا من النوع الهزلي، والفارسي هو الدعامة الأساسية لكثير من الكوميديات السينمائية والتليفزيونية ونجد مشاهد فارس في المسرحيات المحبوكة جيدا مثل «ترويض النمرة - الليلة الثانية عشرة- حلم منتصف ليلة صيف»، وفي قاموس بنجويين للمصطلحات الأدبية نجد الآتي: «ففي الأدب الكلاسيكي توجد عناصر الفارس في مسرحيات اريستوفانيز»، وبلوتسي فالحبكة الاريستوفانية تضمنت كوميديا من نوع الفارس في شكل مواقف مضحكة ونتائج غريبة وبذاءة وولائم مع سخرية جادة وهجاء، واستخدم بلوتس هو الآخر الموقف العبثي «خاصة الذي ينبع من سوء الفهم» والخشونة في الحوار والمجون، ويبرز عنصر الفارس أيضا في المسرحية الساتورية الاغريقية وفي الحكاية الرومانية. والمسرحيات الأولي التي سميت بالفارس كانت فرنسية وتنتمي إلي أواخر العصور الوسطي، كانت المسرحيات تتكون من مقاطع كوميدية بين المشاهد في الدراما الطقسية أو الدينية وهذه المقاطع والنكات كانت تكتب عادة بأبيات الثمانية مقاطع وكان الطول العادي يصل إلي 500 سطر، وكانت هذه الأسطر المقحمة تثير الضحك من السلوك المنحط ورذائل الحياة اليومية «خاصة احتيال التجار والخيانات الزوجية وهذا النوع من الكوميديا واضح بشكل جيد في «قصة الطحان» لتشوس في أواخر القرن 14). وبعد ذلك تطورت هذه المقاطع في المسرح الفرنسي حتي أصبحت شكلا قائما بذاته، فارس ذو الفصل الواحد وظل هذا حوالي 150 عاما. وبرز تأثير الفارس الفرنسي في إيطاليا وألمانيا وانجلترا، وكان أبرز كتابه جون هيوود الذي استعاد وقلد الفارس الفرنسي وأصبحت مقاطعه نوعا كوميديا خاصا به. وفي القرن السابع عشر برز موليير كسيد لهذا النوع خاصة في مسرحية «مريض الوهم» (1672). وتطور الفارس ونضج في القرن التاسع عشر في فرنسا في أعمال لابين وفهيدو وفي انجلترا في أعمال بنرو وساعد أيضا و.س جلبرت في توسيع جماهيرية هذا الشكل. وفي القرن العشرين ساهم كثير من كبار الكتاب في كتابة الفارس مثل سومرست موم وفردريك لونسدال وجان بول سارتر واندريه روسين وفيرنس مولنار وجان أنوي». وفي النهاية نحن دائما ما نقول بأن العمل السينمائي هو كاتب ومخرج وممثل وجمهور، وكذلك أيضا العمل المسرحي، ولكن مكان الجمهور في العمل الدرامي التليفزيوني أكبر بكثير خاصة أنه يدخل الغالبية العظمي من البيوت، إن اقبال الجمهور علي عمل بالذات اقبالا كبيرا يقتضي منا تحليل هذا العمل تحليلا دقيقا للوقوف علي أسباب نجاحه خاصة عندما نجد أن الجمهور لايمل ولا يكل من تكرار مشاهدته كلما جري عرضه. كان شكسبير وموليير وغيرهما من عمالقة المسرح يحضرون كل يوم عروضهم ويلاحظون ردود فعل جماهيرهم ملاحظة دقيقة ثم يقومون بالحذف والإضافة والتغيير والتبديل إلي أن وصلت إلينا أعمالهم في النهاية بعد قرون عليها بصمة الجمهور.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.