علي الرغم من أنني أثق تماماً بأن الله سيحافظ علي الكنيسة المصرية وأنه سيرتب الرجل المناسب الذي يستطيع أن يخلف قداسة البابا شنودة الثالث (1971- 2012م). إلا أنني أدعو إلي تغيير لائحة انتخاب البطريرك، الصادرة سنة 1957م، وذلك باختصار لأنها لائحة عقيمة، أصبحت لا تتماشي مع الوضع الراهن، ربما لأنها ابنة العصر الذي وضعت فيه، ومن ثم فهي لا تتناسب والمرحلة التي نمر بها ونعيشها الآن، فقد مر عليها نحو خمسة وخمسين سنة وأصبحت غير مناسبة في 2012م وما بعدها. كما أنه من الغريب حقاً أنه في الوقت الذي تستعد فيه مصر لإقرار دستورها الجديد، بعد ثورة 25 يناير، أن يتمسك البعض بلائحة 57 ويرفض تغييرها دون أسباب منطقية مقنعة. والواقع أنه تظل لائحة 1957م الخاصة باختيار البطريرك في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية محل جدل كبير بين المواطنين الأقباط أنفسهم، كنيسة وشعباً، وذلك بما تحويه تلك اللائحة من بنود يري البعض أنها غير مناسبة للمرحلة الحالية. حيث تتضمن اللائحة وعلي نحو رئيسي إشكاليتين مهمتين.. تأتي الإشكالية الأولي علي مستوي المرشح لشغل الكرسي البابوي، بينما تأتي الإشكالية الثانية علي مستوي الناخب. المرشحون تشترط لائحة 1957م، وحسب المادة الثانية، فيمن يرشح نفسه للكرسي البطريركي أن يكون مصرياً قبطياً أرثوذكسياً. وأن يكون من طغمة الرهبنة المتبتلين الذين لم يسبق لهم الزواج سواء كان مطراناً أو أسقفاً أو راهباً، وأن تتوافر فيه جميع الشروط المقررة في القوانين والقواعد والتقاليد الكنسية. وأن يكون قد بلغ من العمر أربعين سنة ميلادية علي الأقل عند خلو الكرسي البطريركي، وأن يكون قد قضي في الرهبنة عند التاريخ المذكور مدة لا تقل عن 15 عاماً. وبذلك فإن اللائحة تسمح بترشح الأساقفة والمطارنة، ولا تفرق بين أسقف عام أو أسقف إبراشية، وهنا ثمة رفض من جانب البعض لترشيح أساقفة الإبراشيات للكرسي البابوي، ذلك أن أسقف الإبراشية هو أشبه- وبالمعني الروحي- بمن تزوج إبراشيته ولا يجوز له الجمع بين زوجتين أو الانتقال من واحدة إلي أخري. أما المعايير الخاصة بأن يكون المرشح مصرياً قبطياً أرثوذكسياً، من طغمة الرهبنة المتبتلين الذين لم يسبق لهم الزواج، وأن تتوافر فيه جميع شروط القوانين والقواعد والتقاليد الكنسية، وأن يكون قد بلغ من العمر أربعين سنة، وأن يكون قد قضي في الرهبنة مدة لا تقل عن 15 عاماً.. فالواقع أنه ثمة اتفاق وإلي حد ما علي تلك المعايير، إذ لابد من تحديد مجموعة من المعايير المتفق عليها فيمن يرشح نفسه لذلك المنصب. الناخبون تضع لائحة 1957م مجموعة من الشروط الخاصة بالمشاركة في انتخابات البطريرك، حيث يشترط في الناخب، وحسب المادة الثامنة، أن يكون مصرياً قبطياً أرثوذكسياً، وأن يكون معروفاً بصدق إيمانه واتصاله المستمر بالكنيسة، وألا يكون قد سبق الحكم عليه في جناية أو جنحة ماسة بالشرف. وأن يكون قد بلغ من العمر خمساً وثلاثين سنة ميلادية علي الأقل في تاريخ خلو الكرسي البطريركي. وأن يكون حاصلاً علي شهادة دراسية عالية أو أن يكون موظفاً حالياً أو سابقاً في الحكومة المصرية والهيئات ولا يقل مرتبه عن أربعمائة وثمانين جنيهاً سنوياً، أو موظفا بأحد المصارف أو الشركات أو المحال التجارية أو ما يماثلها، ولا يقل مرتبه عن ستمائة جنيه سنوياً، أو يكون ممن يدفعون ضرائب ولا تقل عن مائة جنيه سنوياً ويشترط في الحالة الأخيرة أن يكون الناخب ممن يجيدون القراءة والكتابة. وأن يتم اختياره بمعرفة إحدي الجهات الموكل إليها ذلك.. والواقع أن البنود السابقة، وإن كان بعضها يصلح للاستمرار مثل أن يكون الناخب مصرياً قبطياً أرثوذكسياً، إلا أن هناك شروطاً يُعد التأكد منها من سبل التفتيش في النوايا مثل "أن يكون معروفاً بصادق إيمانه واتصاله المستمر بالكنيسة"، أو يكون التأكد منها يحتاج إلي الكثير من الجهد والوقت وإجراء ما يُسمي (فيش وتشبيه) مثل "ألا يكون قد سبق الحكم عليه في جناية أو جنحة ماسة بالشرف". كما أن اللائحة تحدد سن الناخب ب 35 سنة، فيما فوق، والعجيب أن أحد مستشاري الدولة، وهو مسيحي، صرح في حوار تليفزيوني سابق أن الكنيسة قررت هذا الشرط حتي يكون الناخب مكتمل العقل والثقافة!! مُتناسياً أن الوعي العقلي والثقافي يمكن أن يسبق هذه السن بسنوات عديدة. ولعلي أتساءل أيضاً كيف نكون في عام 2012م وتتحدث اللائحة علي أن يكون الناخب "موظفاً حالياً أو سابقاً في الحكومة المصرية والهيئات ولا يقل مرتبه عن أربعمائة وثمانين جنيهاً سنوياً، أو موظفاً بأحد المصارف أو الشركات أو المحال التجارية أو ما يماثلها، ولا يقل مرتبه عن ستمائة جنيه سنوياً، أو يكون ممن يدفعون ضرائب ولا تقل عن مائة جنيه سنوياً.."!! إن اللائحة علي هذا النحو تعيش في سنوات بعيدة عنا، كما أنها تنتصر للأغنياء علي حساب الفقراء.. وللمتعلمين علي حساب أنصاف وغير المتعلمين، رغم أن الإيمان المسيحي يؤمن بالمساواة بين جماعة المؤمنين الذين يمثلون الكنيسة في المفهوم الأرثوذكسي. فئات الناخبين وتحدد اللائحة الفئات التي لها حق المشاركة في التصويت- الانتخاب، وحسب المادة التاسعة، علي النحو التالي: 1- المطارنة والأساقفة ورؤساء الأديرة ووكلائها وأمنائها. 2 أعضاء المجلس الروحي بالقاهرة ووكلاء المطرانيات ووكلاء الشريعة في المدن والبنادر. 3 أربعة وعشرون كاهناً من كهنة القاهرة وسبعة من كهنة الإسكندرية. 4 الوزراء الأقباط الحاليون والسابقون وأعضاء مجلس الأمة الحاليون من الأقباط. 5 أعضاء ونواب المجلس الملي العام الحاليون والسابقون. 6 اثنان وسبعون من أراخنة مدينة القاهرة، وأربعة وعشرون من أراخنة مدينة الإسكندرية تختارهم لجنة الترشيح. 7 اثنا عشر من أراخنة كل إبراشية في الجهات الأخري تختارهم لجنة برياسة مطران أو أسقف الإبراشية وعضوية خمسة من الأراخنة الذين يختارهم المطران أو الأسقف المذكور لهذا الغرض. 8 أصحاب الصحف ورؤساء تحريرها ومحرري الصحف اليومية من الأقباط بشرط أن يكونوا أعضاء في نقابة الصحفيين. إن كلاماً كثيراً يمكن أن يُقال عن هذه الفئات التي حددتها اللائحة.. منه مثلاً لماذا لا يشارك كل الآباء الكهنة في اختيار راعيهم (البطريرك)؟! ولماذا عدد معين من الأراخنة (كبار المواطنين الأقباط) دون عامة الشعب؟! كما أن اللائحة مازالت تتحدث عن أعضاء مجلس الأمة رغم أن اسمه قد تغير وأصبح مجلس الشعب!! ولماذا رؤساء الصحف ومحرريها من أعضاء النقابة دون باقي النقابات؟! إن هذه اللائحة لا تُتيح مشاركة كل المواطنين الأقباط في انتخاب البابا (البطريرك)، رغم أن البابا شنودة الثالث (1971- 2012م) هو نفسه صاحب مبدأ حق الشعب في اختيار راعيه، وهو مبدأ اتبعه في رسامة أساقفة الإيبارشيات وكهنة الكنائس. نهضة الكنيسة إنه من العجيب أن يكون من حقي، كمواطن مصري، المشاركة في انتخابات رئيس الجمهورية، والاستفتاء علي الدستور المزمع صياغته، بينما لا أستطيع المشاركة في انتخابات الأب البطريرك!! إن مناقشة هذا الموضوع إنما غرضه التطلع إلي نهضة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وطلب تعديل اللائحة لا ينتقص من حبنا للكنيسة واحترامنا لآباء الكنيسة. لذا فإننا ودون شك أمام فرصة ذهبية لتعديل تلك اللائحة العقيمة. ذلك أن لكل زمن قوانينه، لاسيما وأن هذه القوانين هي قوانين وضعية، من وضع الآباء، وهم بطبيعتهم بشر يفكرون ويتناقشون، فما مشكلة أن نفكر ونعيد التفكير في لائحة صدرت سنة 57، ونحن الآن في 2012م، نؤسس معاً لمصر الجديدة الناهضة، بكل مؤسساتها، ولابد وأن تكون الكنيسة المصرية في ذات الخط. أعرف أن البعض يختلف معي في الرأي، وهي ظاهرة صحية، فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولكني أتمني أن يرتفع الحوار إلي مستوي راق لصالح الكنيسة والوطن، وعدم الانجراف في اتجاه التخوين والاتهام بالعمالة ومحاولة شق الكنيسة إلي غيره من اتهامات.. ويستمر الحوار.