امتدت خلال الأيام الماضية أعمال الشغب التي بدأت في شمال العاصمة البريطانية لندن إلي أنحاء متفرقة من المدينة، ومدن رئيسية أخري مثل ليفربول وبرمينجهام وبريستول. وشهدت لندن أحداث شغب واعمال سلب ونهب وإحراق مبان ومتاجر كبري في أحياء مختلفة من بينها بيكام وكرويدن في الجنوب وإيلينج في الغرب وهاكني في الشرق، وقام شباب ملثمون باقتحام المراكز التجارية الكبري ونهبها، كما قام عدد من الشباب المسلحين بمضارب البيسبول بتحطيم نوافذ المتاجر، وأضرمت النيران في سيارات خاصة. يذكر أن اعمال العنف بدأت في السادس من أغسطس في حي توتنهام شمالي لندن الذي يقطن فيه غالبية من السود، إثر مقتل مارك دوجان و هو شاب أسود يبلغ من العمر 29 عاماً علي يد الشرطة أثناء محاولة توقيفه للاشتباه بتورطه في نشاطات إجرامية. وقد أدي سوء تعامل الشرطة مع عائلة الشاب ذي الأصول الإفريقية إلي خروج تظاهرة كبيرة احتجاجاً علي مقتل الشاب نظمها عشرات الأشخاص وخاصة من السود الذين أضرموا النار في مركبات ومبان وحاويات قمامة وألقوا قنابل حارقة علي رجال الشرطة. واستهدفت هذه الاحتجاجات توجيه رسالة تحذير قوية لحكومة كاميرون واعتراض واضح علي خطط التقشف التي فرضتها بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 . وأسفرت أعمال العنف عن إصابة عشرات من المحتجين وأكثر من 40 شرطياً، كما تم اعتقال أكثر من 750 شاباً وجهت إلي 69 منهم تهماً جنائية، في حين قدرت الخسائر المادية بملايين الجنيهات الاسترلينية. وقامت شرطة سكوتلاند يارد بنشر المجموعة الأولي من صور التقطتها كاميرات الأمن لأشخاص يشتبه في مشاركتهم في أعمال الشغب، ووجهت تهماً لنحو 32 شخصاً للمثول أمام المحكمة بتهم مثل السطو وإلحاق الضرر بالممتلكات. كما أسفرت الاضطرابات عن مقتل ثلاثة أشخاص. رد فعل صارم أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن حكومته ستعمل كل ما هو ضروري لاستعادة النظام، وقال في ختام اجتماعه مع لجنة الطوارئ الحكومية في مقر رئاسة الوزراء "أنا عاقد العزم والحكومة مصممة لتأخذ العدالة مجراها". كما دعا كاميرون لعقد جلسة استثنائية للبرلمان لبحث الأزمة، و أعلن عن نشر حوالي 16 ألف شرطي في شوارع لندن للحفاظ علي الأمن. وخاطب كاميرون مثيري الشغب محذراً "ستشعرون بقوة القانون، من بلغ السن المناسب لارتكاب جرائم فهو في سن يسمح بتلقي العقوبة أيضاً". كشف ديفيد كاميرون عن خطة طوارئ تشتمل علي استخدام خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين ، كما وعد بحصول الشرطة علي جميع الموارد اللازمة لأداء مهامها. وأعلن كاميرون اليوم وضع خراطيم المياه بتصرف الشرطة للمرة الأولي في انجلترا، كما أعلن أنه سمح للشرطة باستخدام الرصاص المطاطي من أجل وضع حد لأعمال الشغب في البلاد. وقال كاميرون "كل الموارد التي تحتاجها الشرطة ستحصل عليها ، كل التكتيكات التي تشعر الشرطة أنها بحاجة لاستخدامها سيكون لها السند القانوني لاعتمادها، سنقوم بكل ما هو ضروري لاسترداد القانون والنظام في شوارعنا". قال مصدر حكومي، إن بريطانيا تبحث إمكانية تعطيل شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل عبر الإنترنت التي استخدمت بشكل موسع للتنظيم لأعمال العنف. وأشارت مصادر أمنية إلي أن برنامج المراسلة بالبريد الاليكتروني في البلاك بيري ونظام بي بي إم يمثل تحدياً أمنياً حيث لا تخضع الرسائل بهما لعملية المراقبة والتتبع. أشارت صحيفة الصن البريطانية إلي أن استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجاف كشف عن أن واحداً من كل ثلاثة بريطانيين يريد الشرطة أن تستخدم الرصاص الحي ضد من يقومون بالشغب، و60 بالمائة يريدون الشرطة أن تستخدم الرصاص المطاطي، و90 بالمائة يفضلون أن تستخدم الشرطة خراطيم المياه، و 75% يريدون نشر الجيش بشوارع المدن البريطانية. تضارب حول الأسباب حتي الآن تبدو أعمال العنف في بريطانيا غير مفهومة، و تضاربت الآراء حول أسبابها. فبينما تراها الحكومة أعمالا إجرامية، يري البعض أن أسباب أعمال الشغب تعود لتفشي الفقر والبطالة في الأحياء البريطانية الفقرة. فمثلاً تم تخفيض ميزانية خدمات الشباب في هارينجي 75 في المائة هذا العام في إطار خطة خفض قيمتها 84 مليون جنيه إسترليني علي مدار ثلاث سنوات. وإلي جانب تخفيض ميزانية خدمات الشباب، يعاني قطاع كبير من الشباب البريطاني من البطالة. أشارت بعض الصحف البريطانية إلي نفس الأسباب، فذكرت صحيفة الجارديان تحت عنوان "أعمال الشغب في لندن مرتبطة بشيء لا يمكن إنكاره" أن أسباب نشوب الشغب وأعمال العنف في بريطانيا ترجع إلي المعارضة الشديدة لتقليص الميزانية وسياسة التقشف التي فرضتها الحكومة. ووصفت الصحيفة سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة بالمقامرة التي انتهت إلي مساوئ عديدة منها إغضاب المواطنين وزيادة الهوة بين الأغنياء و الفقراء كما ظهر من ردود الأفعال في حي توتنهام الذي يوجد به رابع أعلي نسبة للفقراء في لندن، وتصل فيه نسبة البطالة إلي 8.8 في المائة، أي ضعف المعدل المعتاد في البلاد. أما صحيفة الإندبندنت فأشارت إلي أن حي توتنهام شهد تاريخا من عدم الثقة بالشرطة بسبب أحداث سابقة في عامي 2005 و 2009 وأكدت الصحيفة أن علي المسئولين البريطانيين التعامل بحذر مع المحتجين والعمل علي إيجاد حلول لمشكلات التهميش الاجتماعي للشباب داخل المدن. يواجه المجتمع البريطاني أزمة اقتصادية بسبب الركود الاقتصادي خلال عامي 2008 و 2009، فقد ارتفع معدل البطالة في أوساط الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 16 إلي 24 عاماً. وقالت مارتينا ملبورن، المديرة التنفيذية لمؤسسة تشارلز الخيرية، "إن الهوة بين الشباب الأغنياء والشباب الفقراء تزداد في أوساط المجتمع البريطاني، الأمر الذي أدي إلي خلق طبقة دنيا من الشباب، الذين يعيشون وضعاً مأساوياً ويشعرون بأنهم لا مستقبل لهم". وأشار عدنان حسين، الصحفي العربي المقيم في لندن، إلي أن وصف أعمال الشغب بالإجرامية هو تجاهل للحقيقة لأن لا شيء يحدث عفوياً، وأكد أن المستقبل القريب سيكشف إن كانت هذه الأعمال انبثقت عن تحركات اجتماعية منظمة. القذافي ونجاد ينتقدان قال التليفزيون الليبي الرسمي إن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استخدم مرتزقة من اسكتلندا وأيرلندا، للتصدي لأعمال الشغب في إنجلترا، وأضاف "ثوار بريطانيا علي مشارف ليفربول في معارك كر وفر مع كتائب كاميرون ومرتزقة من أيرلندا واسكتلندا. الله أكبر". وجاء هذا الحديث رداً علي اتهام القذافي بجلب مرتزقة أفارقة لمحاربة المعارضين. وصفت الحكومة الليبية كاميرون بأنه "فقد شرعيته ويجب أن يرحل". في الوقت نفسه، دان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ما وصفه بالسلوك الوحشي للشرطة البريطانية في مواجهة الاحتجاجات وطلب من مجلس الأمن الدولي التدخل، وأضاف "بدلاً من سلوك كهذا، كان علي القادة البريطانيين الوقوف في صف الشعب والإصغاء إليه. بدلاً من إرسال قوات إلي العراق وأفغانستان وليبيا لنهب النفط كان من الأفضل لهم التفكير في شعبهم". كما نددت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بما وصفته بالتمييز العنصري للسود والمسلمين وباقي الملونين في بريطانيا، ودعت السلطات البريطانية للعمل علي تلبية احتياجات المحتجين والفقراء. من ناحية أخري، حثت عدة مواقع جهادية علي شبكة الانترنت أنصارها علي الاستفادة من أعمال العنف التي تشهدها المدن البريطانية للتحريض علي توسيع الاحتجاجات. ونصحت رسالة وجهت إلي موقع "شموخ الإسلام" بالتسلل إلي المنتديات البريطانية الإليكترونية لتحريض المحتجين، وكتب أبوالحارث القندهاري أن"ما يجري حالياً في لندن فرصة للمجاهدين ليتحركوا ويغيروا الخطوط بسهولة كبيرة. علي المجاهدين البدء بالتجنيد لإنها فرصة ثمينة جداً وعليهم الاستعداد لأن الشرطة البريطانية تحاول وضع حد للاضطرابات". أعمال العنف التي شهدتها عدة مدن بريطانية مؤخراً هي بلا شك دلالة علي وجود أزمة حقيقية في المجتمع البريطاني الذي يعاني فيه قطاع عريض من الشباب من التهميش و الفقر و البطالة، و هي أيضاً دلالة علي فشل حكومة ديفيد كاميرون في تقديم حلول سريعة لتلك المشكلات الجذرية. الجانب الآخر للمشكلة يتمثل في اتساع رقعة التهديد الأمني بسبب هذه الاضطرابات فهي من ناحية لا تزال غامضة الأسباب وتجهل أجهزة الأمن البريطانية إذا ما كانت منظمة أم عفوية، ولكنها من ناحية أخري فتحت المجال لتهديدات أمنية لجماعات قد تركب موجة غضب الفقراء البريطانيين لحساب أجندات خاصة.