تواصل تركيا، لليوم الثاني على التوالي، معركتها الصعبة ضد موجة حرائق الغابات التي اندلعت في إقليم إزمير غربي البلاد، وسط ظروف مناخية قاسية و تهديدات متزايدة للمناطق السكنية. و يشير تصاعد هذه الحرائق، مرة أخرى، إلى تنامي الظواهر المناخية المتطرفة التي تضرب حوض البحر المتوسط، و تضع أنظمة الطوارئ على المحك. الرياح تشعل الحريق مرة أخرى في التفاصيل، أعلن وزير الغابات والإعلام التركي، إبراهيم يومقلي، أن النيران اشتعلت مجددًا في منطقتي كويوكاك ودوجانباي، بعد أن ساهمت الرياح العاتية – التي تراوحت سرعتها بين 40 و50 كيلومتراً في الساعة – في اتساع رقعة الحريق خلال الليل. و قد أدى ذلك إلى إخلاء أربع قرى وحيّين سكنيين كإجراء احترازي لحماية السكان من زحف النيران. المشهد الميداني يُظهر تعبئة غير مسبوقة: أكثر من ألف رجل إطفاء، مدعومين بطائرات هليكوبتر و معدات إطفاء متقدمة، يحاولون محاصرة اللهب الذي يلتهم التلال والغطاء النباتي. و استخدمت فرق الإطفاء، بحسب لقطات إعلامية، جرارات بمقطورات مياه، وطائرات تقذف حمولات هائلة فوق أعمدة الدخان التي تتصاعد من المناطق المحترقة. هذه الحرائق ليست معزولة عن نمطٍ متكرر بدأ يفرض نفسه على الساحل الغربي التركي، حيث أصبحت فصول الصيف أكثر قسوة، و حالات الجفاف أكثر امتدادًا، ما أدى إلى ازدياد قابلية الغابات للاشتعال. ويربط العلماء هذه الظواهر بتغير المناخ، الذي تسبب في اختلالات حرارية و مناخية تؤدي إلى تفاقم حرائق الغابات، ليس فقط في تركيا، بل على امتداد البحر الأبيض المتوسط، من إسبانيا إلى لبنان. تحديات بيئية كبيرة وتعد حرائق الغابات في تركيا من أكبر التحديات البيئية التي تواجهها البلاد خلال العقد الأخير، خصوصًا بعد سلسلة حرائق كارثية شهدتها البلاد في صيف 2021، و التي خلفت خسائر بشرية و بيئية و اقتصادية ضخمة، و أثارت حينها انتقادات واسعة للجاهزية الحكومية في التعامل مع الكوارث الطبيعية. في ظل هذا التصعيد المناخي، بات من الضروري على أنقرة، كما دول المنطقة، تطوير استراتيجية شاملة لإدارة الغابات ومكافحة الحرائق، لا تقتصر على الاستجابة الطارئة فحسب، بل تشمل الاستثمار في التنبؤات الجوية الدقيقة، و ابتكار تقنيات استشعار و إنذار مبكر، و تحسين البنية التحتية للوقاية من الكوارث البيئية. ختامًا، حرائق إزمير الحالية هي جرس إنذار إضافي، بأن العالم لم يعد يتعامل مع "مواسم حرائق"، بل مع حقبة جديدة من التغير المناخي الحاد، تتطلب أدوات غير تقليدية في المواجهة، و إدراكًا جماعيًا بحجم التهديد المتصاعد.