تشكل معضلة الخروج من الاتحاد الأوربي أوما يسمى " البريكست" العنوان الأهم والأبرز للانتخابات التشريعية المبكرة التي أنطلقت بريطانيا اليوم (الخميس) ، والتي تعد ثالث انتخابات من نوعها في البلاد خلال نحو أربع سنوات . ويرى المراقبون أن هذه الانتخابات تبدو أقرب إلى كونها استفتاء على الخروج من الاتحاد الأوربي. إذ يصوت الناخبون البريطانيون في الانتخابات ، بشكل أساسي ، للاختيار ما بين الخروج من الاتحاد الأوروبي بقيادة رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون( حزب المحافظين)، أو تنظيم استفتاء جديد حول "البريكست" بقيادة زعيم حزب العمال "جيريمي كوربن" ، الذي تعهد بالقيام بذلك في حال فوز حزبه في الانتخابات. ويصف المحللون السياسيون الانتخابات الحالية بأنها أحد أهم الانتخابات في تاريخ بريطانيا ، حيث سترسم نتائجها ملامح مستقبل المملكة المتحدة وعلاقاتها مع محيطها الأوربي لعقود طويلة قادمة . وتأتي هذه الانتخابات كمحاولة أخيرة، للخروج من المأزق السياسي الحاد الذي دخلته البلاد منذ عام 2016 ، حين صوت البريطانيون في الاستفتاء الشهير على الخروج من عضوية الاتحاد الأوربي، والذي جاءت نتائجه بنسبة 52 في المائة لصالح الخروج. فمنذ ذلك التاريخ تعيش بريطانيا على وقع أنقسام وسجال سياسي واعلامي متواصل ، ما بين مؤيدي الخروج من الاتحاد الاوربي ،وبين هولاء الرافضين لذلك ، وهو الانقسام الذي القى بظلاله السلبية على الحياة السياسية والتشريعية البريطانية بكاملها ، وأصابها بما يشبه الشلل. وفي محاولة منه للخروج من هذا الوضع السياسي الصعب ، دعا بوريس جونسون لانتخابات برلمانية مبكرة على أمل فوز حزب المحافظين بالأغليبة المطلقة التي يفتقر إليها في مجلس العموم الحالي ، وبما يمكنه لاتمام اجراءات الخروج من الاتحاد الأوربي دون عقبات برلمانية ،وانهاء هذه الأزمة ، التي يقول المراقبون إنها أحدثت شرخاً كبيراً في المملكة المتحدة. وكان مجلس العموم البريطاني قد وافق أواخر أكتوبر الماضي ، وبأغلبية ساحقة ، على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 12 شهر ديسمبر ، بهدف الخروج من الأزمة ا لسياسية في البلاد حول البريكست.وصوت لصالح اجراء الانتخابات 438 عضوا مقابل 20 عضوا فقط رفضوا ذلك. يخوض بوريس جونسون الانتخابات تحت شعار "دعونا نحقق بريكست" داعيا الناخبين البريطانيين للتصويت لصالح المحافظين من أجل حسم ملف الخروج من الاتحاد الاوربي والتفرغ للقضايا الأكثر الحاحا لدى الشارع البريطاني، :"امنحوني غالبية وسأنهي ما ما أمرتمونا بتنفيذه، قبل ثلاث سنوات ونصف"، في اشارة إلى نتائج استفتاء 2016. وقد تعهد جونسون بأنه في حال فوزه في الانتخابات، سيطرح اتفاق الخروج من الاتحاد الأوربي ،والذي توصل اليه مع قيادات الاتحاد في بروكسل ، على مجلس العموم الجديد قبل عيد الميلاد القادم ، وذلك حتى يتم تنفيذ "بريكست" في موعده المحدد في 31 يناير ، بعدما تأجل هذا التنفيذ ثلاث مرات من قبل. وفي مقابل ذلك يتبنى جيريمي كوربن موقفا يصفه المراقبون بأنه متلتبس حيال قضية "البريكست " ، حيث وعد في حال فوز العمال في الانتخابات ، بالتفاوض مع مسؤولي الاتحاد الأوربي حول اتفاق جديد أكثر مراعاة لحقوق العمال، وأنه سيطرح هذا الاتفاق في استفتاء يكون البديل فيه هو البقاء داخل الاتحاد ، على أن يبقى هو نفسه(كوربن ) محايدا . لكن السؤال المطروح هنا حول ما إذا كانت نتائج هذه الانتخابات ستطوى صفحة السجال والانقسام بين البريطانيين بشأن البريكست ،أم أنها قد تكرس هذا الانقسام ، لاسيما في ظل التقارب الشديد بين فرص المحافظين والعمال ، الذي أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة ، والتي أشارت المنافسة المحتدمة بين الحزبين، بما يجعل من الصعب التنبوء بنتائج الانتخابات . فبينما أشار أخر استطلاع للرأي أجراه معهد " يوجوف" لاستطلاعات الرأي في بريطانيا، إلى تصدرالمحافظين ، وإلى احتمال حصولهم على أغلبية مطلقة في مجلس النواب المقبل ، اعتبر محللون ومراقبون سياسيون أنه لايمكن التعويل كثيرا على نتائج هذه الاستطلاعات ، بالنظر إلى عوامل كثيرة تبدو حاكمة في سلوك الناخبين البريطانيين والذين يبدون متقلبين في مواقفهم بشكل لافت ، ازاء الاحزاب المتنافسة، فضلا عن الصعود الأخير في نسبة مؤيدي حزب العمال، وكلها عوامل ربما تقود – كما يتوقع المحللون- إلى برلمان بلا أغلبية ، في تكرار لسيناريو انتخابات عام 2017. وتتوزع مقاعد مجلس العموم ال 650 التي يتم التنافس عليها، على 533 دائرة في إنجلترا ،و59 في اسكتلندا ،و40 في ويلز ،و18 في إيرلندا الشمالية. وقد قدّم حزب المحافظين مرشحين في 635 دائرة، مقابل 631 مرشحاً لحزب العمال ، بينما رشّح الحزب الليبرالي الديموقراطي المعارض لل"بريكست" 611 شخصاً. وتشكل النساء ثلث عدد المرشحين في هذه الانتخابات، أي حوالى 1124 امرأة ، وذلك وفقا لشبكة "بي بي سي" الاخبارية البريطانية. ويتقدم 227 مرشحاً بشكل مستقلّ من دون أن يكونوا مرتبطين بأي حزب سياسي.